الإيمان في محنة .. والأزهر في مواجهة مد عقلي ..كميل فياض
2015-04-21 09:50:56
الازهر كأقدم واعلى مؤسسة مرجعية دينية اسلامية ، يواجه تحديات العقل والعلم وحرية الفكر والمطالبة بحرية التعبير ..
ويطالَب من قبل مفكرين كسيد القمني ، بمراجعة المواد التي يدرِّسها ويُخرِّج عن طريقها دكاترة وفقهاء ومدرسين في علوم العقيدة والفقه والشرع  .. واليوضع التراث الديني كله على بساط البحث العلمي ، كما طالب محمد اركون  ، ليتنقى من شوائبه ، لتتم اعادة صياغته بما يتوافق مع التطورات العلمية الحاسمة ومع التغيرات المفهومية للمجتمع . وكما دعا لذلك ابن رشد منذ 12 قرن ، حيث قال : ان الشريعة فسدت ويجب تطهيرها ، ولا سبيل الى ذلك الا غسلها  بالفلسفة اليونانية (ويعني الفكر العقلاني)  فألف كتابًا تحت عنوان : " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال " ..
 واليوم وانا اتابع على اليتيوب مناظرات مختلفة المراجع والتوجهات  ، بين رجل دين مسيحي ورجل دين سني ، بين علماني سني وديني سني ، بين شيعي عرفاني وشيعي تقليدي الخ ..  كما لو كان حوار العقل والاديان .. كان لا بد ان اقول كلمة في ذلك ، وانا بعيد عن حرارة تلك النقاشات الحادة ، ومعظمها لم يرقى الى مستوى نقاش موضوعي هادئ  مسموع من قبل المتواجهين ، فكان اشبه بالمماحكات  والرفض المتعسف المتبادل ، حيث ثبت ان الايمان وليس العقل – في معظم ما دار –  هو سيد الموقف ... والايمان لا يناقَش اصلاً .. ومن هنا لم تثمر جميع السجالات عن اي توافق ، بل اثمرت دائمًا توتراً ورفضًا واختلافاً وابتعاداً  وتكفيراً علنيًا او ضمنيًا ..
وكأن معظم المتواجهين لم يقرأوا غوستاف لبون وتفنيده  لمعنى كل من الرأي الايمان والعقيدة - في " الآراء والمعتقدات" - .. لم يطلعوا على فكر فولتير الذي واجه رجال الكنيسة كما يواجه المفكر العربي رجال الازهر اليوم .. فيجمد لسان احدهم وهو يُسأل من قبل شيخ شاب ازهري ،عن تعارض نظرية "البيغبان" الانفجار الكبير ، مع ما يقول القرآن حول خلق الكون ، فلا ( يسترجي ) التصريح وهو يؤيد الموقف العلمي ، فيتلعثم كأنه متهم بجرم امام قاض في محكمة ، ولا يقول رأيه بصريح العبارة .  
نعم في القرن ال 21  يُحاسب المفكر العربي ويُعاقب ويسجن ويقتل على رؤيته وافكاره المخالفة لمعتقدات رجال الدين ، يجد حرجًا في قول ما يفكر فيه ويراه ، بعد ان يكون قد أفنى  ثلثيّ عمره في البحث والنظر والدرس والاطلاع والكتابة ..  يجلس في حوار - يبدو مفروضًا عليه -  مع شيخ والى جانب الشيخ  مستشار قضائي  في جلسة تحقيقية ، تدور حول بعض الفاظ  كتبها او تلفظ  بها المفكر ، فتوضع في ميزان العقيدة ، فان لم تخالفها اعفي  وان خالفت أثبتت عليه تهمة مخالفة القانون وتهمة الكفر او الشرك او الالحاد او الزندقة ، وما الى ذلك من مصطلحات ابن تيمية وسواه من شيوخ الكفر والتكفير القدامى ، هؤلاء الذين شكَّلوا القاعدة التاريخية لكل من جاء بعدهم من تكفيريين  ، مروراً  بالاخوان المسلمين  والوهابيين وصولاً  الى الدواعش  ..  
وهنا يجب ان تقام محكمة لهؤلاء :
بل محكمة لعقولهم ولتوجهاتهم القاصرة والخاطئة .. وهنا أواجه لا عقيدة معينة ، إذ ان الموقف من دين معين من حيث هو علاقة ايمان بغيب ، تُعتبر مواجهة لكل دين يقوم على الاساس نفسه ، واذ يتبين خلل الأساس الذي تقوم عليه الأديان الإيمانية والتسليمية ، لا نكون بحاجة  لعرض كل تناقضاتها واخطائها ومفارقاتها الكثيرة بصورة  تفصيلية .. فما هو الايمان ، وما علاقته بالنصوص التي يقدسها ، وما هي النصوص وما علاقتها بموضوعاتها ؟
الإيمان: 
هو نزوع وميل عاطفي وجداني للقبول والتسليم والتصديق بصحة موضوعات غير يقينية ، تأتي بواسطة ووسيط ، اما الواسطة فهي كتابات ، والوسيط انسان يمنح نفسه ، او يُمنح من قبل المؤمنين به  صفة نبي او رسول ، يَعتِقد او يدَّعي انه يتلقى علمه من ملاك او  من الله ، ولذلك تُعتبر الواسطة مقدسة معصومة ومطلقة غير قابلة للدحض او التفنيد او حتى الشك .. ولا يعني القول ان الايمان ارتباط غير يقيني بموضوعاته ، انه لا يستند الى عناصر عقلية بالمرة ، لكن بما ان العقل البشري لا يحيط بما غاب عن الحواس الخمس ، بل لا يتصل إلا بالموضوعات الحسية وبمجرداته وتجريداته وفرضياته الذاتية الشكلية والصورية ، كقضايا الرياضيات والهندسة والحساب ، فإن الموضوعات الماورائية تكون غير يقينية وتظل غير يقينية بالنسبة للمؤمنين  – بغض النظر عن صدق الرؤيا لدى "النبي" او كذب الادعاء – والايمان وحده لا يملك ان يُثبِت ولا ان ينفي ، والعقل مهما اجتهد واستدل واستنبط وقاس  ضِمن التجربة الحسية لا يكشف عما وراء الحواس .. بالتالي لا يبقى امام الانسان العادي الا ان يؤمن او يشك او يكفر بما جاء  به ( النبي او الرسول او الوسيط الالهي) وذلك  بحسب صفاته ، فالصفات في الانسان سابقة ومحدِّدة لطبيعة هذا الاعتقاد او ذاك ، لطبيعة هذا المفهوم او ذاك ، لطبيعة هذا السلوك او ذاك وليس العكس ، ومن هنا نرى (مؤمنين) يتبعون آيات الهدى والخير ، و(مؤمنين) يتبعون ما وافق هواهم وصفاتهم في الدعوة للقتل والعنف وسبي النساء ..  
دواعي رفض الادعاءات الدينية المرتبطة بعالم الغيب : 
ان كان يعز على العقل الاتصال والبت في امور الغيب ، فهو ميزان ضروري لمنتوجات الغيب وأثره على الحياة الحسية والانسانية .. ان  الافتراض بوجود اله قائم وراء الموجودات ، واحد مطلق قادر على كل شيء عادل حكيم عزيز الخ .. اولاً :  كان  يجب على الواحد ان يضع دستوراً واحداً لكل البشر ولكل الازمنة ، وينصِّب مراقبين سماويين  لمراقبة تطبيقه ، بحيث لا يسمحون بما يجري من فوضى على الارض – على الاقل حين يزيد عن الحد كثيراً - ونحن نرى غير ذلك تحت تبريرات ايمانية مختلفة من قبل جميع الاديان السماوية .. ثانيًا : لو كان هذا الاله موجوداً حقاً - كما يؤمنون  - لما ترك المؤمنين به – على الاقل -  ضحية الجهل والفقر والظلم والشر والقهر ، الذي فاق كل احتمال عبر كل التاريخ البشري ، بل ان جميع ( الانبياء والرسل) تقريبًا ، عُذِّبوا أو طُردوا أو قُتلوا أو اهينوا على ايدي البشر ، ثم ديست كتبهم وحرقت ورميت في المزابل ، وكم ضريح هُدم لهم وكم معبد دُمِّر لأربابهم ، وكم قانون بشري نَسَخ شرائعهم تحت انظار السماء .. وكلنا يعلم ويرى ما حل بالدين المسيحي ، واين صفىّ  في الغرب ، وكذلك سائر الاديان ..    
بشرية الأديان :
 
كل هذا يؤكد بشرية الاديان .. وفي ضوء التطور العلمي وتطور العقل العلمي وانعكاسه في عقول الناس وفي حياتهم وتوجهاتهم ،ما يؤكد اسطورية الاديان ، ولم يبقى عليها الا السذج من الطيبين ، او المتعصبين والمتطرفين الاستغلاليين والوصوليين .. 
اما اذا كان هناك روح مطلق ، اله مطلق شيء وراء الموجودات ، نعم هناك ، لكن ليس خالقاً شخصيًا منفصلاً ، مهندسًا مُخَطِّطاً مُقدِّراً كما يعتقدون .. انما هو وعي محض مطلق غير محدود وغير موصوف في ذاته ،  ومنه وفيه واليه يعود كل شيء .. اثبات وجوده لا يتم خارج الاتصال الحي المباشر به ، وحيث تحول بيننا وبينه افكارنا – ايجابية وسلبية - ومقدساتنا ذاتها ، لا بد من تجاوزها داخل الوعي ليتم الكشف عنه  به ، اي لا بد من تجاوز العقل والحواس فيه حتى يرى في كل شيء ، وفيما يتجاوز كل شيء .. فدين الحقيقة هو دين محض ذاتي ووجد ذاتي وشوق ذاتي وحق ذاتي ، لا يُنقل ولا يُفرض على احد ، لا بكلام ولا بسيف .. فهو تمامًا كالحُب والعشق ..  
 
 
كميل فياض
 
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق