الكتابات الدينية ..بقلم :كميل فياض
2015-05-03 09:53:13
اولاً اعتبر دعوتي من البعض للرجوع عن كلامي " قبل فوات الأوان" بخصوص ما ورد في المقال السابق ، من قبيل التهديد والوعيد الذي لا يصدر الا عن عجز في التعامل مع الطرح الذي اقدمه بصورة فكرية ومنطقية وحضارية .. وان تدعوني للتراجع عما ارى .. ! يعني ان أتراجع عن مستوى فهمي للمقروء الى مستوى فهمك ، وعن عمق رؤيتي للوجود الى عمق رؤيتك ؟!
بل تقصد انك تملك الحقيقة وقد تخطيتُ حدودي في الحديث عنها ، ويعني ان الله يعيش في محميتك الخاصة ولا حق لي في النظر اليه الا عبر زجاج النوافذ التي حددتها ولوَّنتها أنت .!
وأقول : ان تصنيفي (كعلماني) مقابل (ديني) غير صحيح وغير سليم ، لأني ارفض تصنيف البشر وجعلهم في خانات منفصلة مغلقة .. هو تفكير مصدره زمن الرق والعبودية ( سيِّد – عبد ) وهو اول تصنيف ظالم اقترفه الانسان في حق نفسه وفي حق اخيه الانسان .. ان تصنيف البشر لمؤمنين وكفار ليس افضل ، بل هو أشد ظلمًا وبؤسًا وضلالة للمرء ولأخيه في الانسانية ، اذ هو ينطوي على علاقة انفصام وفصل فوقي غيبي ( ابدي) ..
اما للذين يقولون " هاتوا برهانكم " اقول اولاً : قدمت الكثير في كتاباتي مما يعكسه منطق الوجود ، ومنطق الحياة ، ومنطق التاريخ ، ومنطق الواقع الحي المباشر .. وهو منطق تجربة ورؤية لا تعتمد وسائط .. وهل نور الحقيقة يحتاج الى وسائط ، إلا عند من عمي قلبه ، لتصبح الكتب والاحاديث والمنقول التاريخي ، عكاكيزه في عتمة طريقه المبهم المليء بالأشواك والحفر، التي لا تزال تمتلئ من دماء سالكيها ..!
ثانيًا : انت تطلب مني برهان ودليل على ان معتقداتك ليست منزلة من عند الله ، في حين انت عاجز عن اقناع نفسك تاريخيًا بذلك ، فجميع من تعتقد فيهم الكفر والشرك ، تجاوزوك مراحل في الواقع ، وانت لا تزال تنعم بمنجزاتهم في حياتك اليومية ، تنتظر الآخرة في المؤخرة .. انت لا تستطيع إقناع مئات الملايين من البشر بمنطق ايمانك السلفي ، وفيهم اصحاب العقول النيرة الذين يفوقونك مرات في عمق التفكير والنظر والاستنتاج .. فأنت الذي يحتاج الى تقديم براهين وتفسيرات لما انت فيه .. فقد ابصرتُ طريقي ، ولا تزال انت وأمثالك تعود مئات والوف السنين الى غياهب الماضي ، لتستمد منه معرفة الحاضر ورؤية المستقبل ، فتتخبط في حقدك الديني (المقدس) الذي ترى الآخرين من عتمته ، فتتهمهم بالحقد على الدين ، بينما العكس هو الصحيح ..
اما المنطق الذي تستند اليه في وجوب انزال الله شرائع وقوانين ليسير الجميع بموجبها ، نابع من العلاقة النفسية والحسية الطفولية تاريخيًا ، التي ربطت الانسان بسيد ، بمولى ، بزعيم ، بملك يقوده ، كالعلاقة التي تربط الطفل بأم واب . قد انعكست على علاقتك - غير الناضجة - بالوجود المطلق ، وهي مستمرة في اللاوعي عبر الزمن عندك كجزء من غالبية مسحوقة .. هذا هو حال اكثرية الناس ، رغم الكوارث والمآسي المتكررة التي أتى ويأتي بها الذين نوليهم قيادتنا .. ولو ابصرنا حقاً لما احتجنا الى من يقودنا ويسيِّر افكارنا .. تصور اخي كم عقيدة مقدسة معصومة وابدية تتحكم في عقول الناس ، وتصور ان كل أتباع عقيدة يرون ان طريقهم وايمانهم هو الحق المطلق وما عداه باطل يستوجب العقاب ..؟! اليس هو ما نحن فيه عمليًا من فوضى دامية في واقعنا البائس .. وإلا من اين تنبع الحروب التدميرية الآن في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي ليبيا ومصر ولبنان ، وفي كل مكان يوجد فيه (مؤمنين مخلصين) .. هل الله يريد ذلك ؟! ام هي عقائد لا تمت لله بصلة .. بل بما يتصوره هذا المؤمن وذاك بانه من عند الله ، والله بريء من كل تلك (المقدسات) التي لم تنقطع الدماء عن السيلان منها .. ؟
من هنا ادعوك اخي العزيز الى تحرير عقلك وشعورك من عُقدة تملك الحقيقة ، ليستطيع هذا العقل ان يرى تجلياتها غير المحصورة في كتاب وفي كلام ، اذ هي في صميم وفي جوهر وجودك الحي المباشر ، وهو كتاب الله الحقيقي الذي لا يمسه الا المطهرون .
مبرر تغيير علاقتنا مع الكتابات المقدسة :
ان التعامل الحي المباشر مع هذا الكتاب الذي هو الحياة نفسها ، يُسقط الحاجة الى وسائط ملائكة وشامانيين وكهنة وشيوخ ومفسرين ومؤولين .. واذا لا بد من التعامل مع الكتب الورقية ( المقدسة) فلنتعامل معها كما هي طبيعتها ، كنصوص ادبية وجدانية وفكرية تراثية ، تحتمل الزيادة والنقصان ، والخطأ والصواب ، والتلف والضياع ، كما هو حاصل واقعيًا في جميع كتب الأديان وسواها من موروثات كتابية ، وليس حصراً في القرآن .. والمشكلة في الإيمان نفسه وفي التقديس .. فالمؤمن لا يرى العيوب في النصوص التي يقدسها ولا يستطيع ان يراها ، اذ هو لا يستعمل عقله معها بصورة موضوعية ناقدة مميزة ، بسبب الرهبة والخوف .. عندما يكون التسليم والتقديس سابق على التفكير الحر ، يتكبل الوعي وينحجب بما يقدس ويؤمن تحت اعتبار ان الكلام هو كلام الله ولا يجوز نقاشه .. ومن هنا جاءت الدعوة من قبل العارفين : " اول الديانة بالله معرفته "
المعرفة بالله تُسقِط حاجز الخوف والرهبة ، وتصبح العلاقة به ودية واضحة جلية ، لا تجزئة للحياة فيها ولا تصنيف للبشر حسب اعتقاداتهم ومذاهبهم ، بل الجميع يَظهَرون فيه بنوره متساوين ..
اما من يريد استخدام العقل وملكة النقد كي يتأكد ان النصوص المقدسة بشرية تمامًا وتعتورها العيوب البشرية ، فأحيله الى دارسين مؤمنين بالعقل وبالعلم والانسانية ، طريقاً الى الله والى مفاتيح الكشف عن حقيقة
الله ، حيث من هؤلاء مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس الخ .. وقد تأتي الاستشهادات والأدلة على صحة طرحنا من القرآن نفسه ومن التوراة والانجيل .. "هو اقرب اليكم من حبل الوريد" وطوبى لأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله " .. أما آيات القتل ضد المختلفين ، والنكاح مع زينب بنت جحش زوجة زيد المسكين وسواه ، لا يمكن ان تكون نازلة من عند الله ، فالله اكبر من ان يحشر نفسه في علاقاتنا الجنسية وفي اطماعنا السلطوية والأرضية ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير