يقولون : " الزمان به فساد " وهم فسدوا وما فسد الزمان بقلم : د.نجيب صعب – ابو سنان
2015-05-27 17:50:29
الناظر بتروي وبعين ثاقبة وبموضوعية من حوله يلاحظ وعن كثب , وقد يُسمع هنا وهناك تذمراً من الكثيرين , ويرقب كذلك تأوهات وقد تُسمع ايضاً لعنات للزمن , من هذه اللعنات والاستياءات تسند الى الزمن في كثير من الأحيان على حد تعبير اصحابها وفي نظري بدون حق .
ولا يغيب عن المرء ايضاً تقلبات الأحوال الشخصية , الفردية , الاجتماعية وربما الاقتصادية
لدى نفر من الناس , وفي كثير من الاحيان يكيل هذا وذاك اللعنات ايضاً للزمن ويتهمه هو سبب كل المشاكل , وفي معظم الأطر العملية في حياتنا اليومية تصل الى مسامعنا مواقف وسلوكيات يلعن اصحابها بها الزمن ويتهموه انه سبب في كل ما يجري لهم من قلة الحظ , ومن تعقيد الكثير من الأمور , الا انهم طبعاً هؤلاء لم يسألوا بعضهم وربما انفسهم عن الأسباب , عن المعوّقات لهذه الظروف التي يعيشونها , ويمكنهم ذكر كل ما هو سلبي ويلبسونه للزمن وكأنه هو المسؤول عن مجريات الأمور , وهو الذي ينتج سوء الأحوال لدى فلان وعلان على ارض الواقع , وفي الناحية الأخرى نرى ونسمع هذا وذاك ايضاً ومن طرف آخر يحمد الزمن , ويسبّح ربّه على ما أرزقه في حياته , ومن كل النواحي , ونراه أيضاً قنوعاً , هادئاً , راضياً بما قسم الله له , لا تسمع منه كلمة
والتبييت لهذا وذاك دون سبب لمثل هذه التصرفات .
ولو طفنا أوسع في ثنايا ونواحي المجتمع وكل في مجال اختصاصه, لتحققنا وتيقّنا اكثر من كثرة الظواهر والتصرفات التي تثبت ما قصدته وأشرت اليه في بعض الجمل الآنفة , ومن خلال طوافنا يمكننا عزيزي القارئ الادراك أنّ الكثيرين هم بأنفسهم مسؤولون عما يعانون منه , هم المسؤولون عن نتيجة ما صنعت اياديهم , هم الذين يبادرون لمثل هذه الأعمال , وهم ايضاً الذين يتهمون الزمان وليس الزمان فقط , وقد يتهمون غيرهم وهم في ذات الوقت المتهمون الأوائل , اذ لا احد يتدخل في شؤون الغير على الأقل بشكل ظاهري , حتى لو كان الأمر كذلك , الواعي والعاقل يستدرك الأمور ويفكر ملياً , ويطوف في افكاره , وقد يعصر دماغه جيداً , وإذا احكم ذلك بدون ريب يمكنه ان يفقه دقائق الأمور ويستخلص العبر بنفسه , ومن ثم يمكنه تعديل الأمور والاعتماد على نفسه من باب المسؤولية الشخصية , ربما يؤدي به الأمر الى انتزاع السلبيات من ذاته واستبدالها بالايجابيات كي يقوّم الطريق ولا يعيش في الأوهام .
ونراه من خلال التفكير السليم والاعتقاد الموضوعي المبني على الايمان الصادق في تحول ايجابي لأحواله ومن مختلف النواحي , وقد نراه ايضاً تغيّر في ذاته , في تصرفاته وكذلك في نظرته لنفسه ولأسرته ولمجتمعه.
فعلينا ايها القراء الاعزاء في مثل هذه الظروف ان نستذكر اقوال الامام الشافعي رحمه الله فيما يلي :
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا .
نهجوا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا.
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضاً عيانا .
والذي يتعمق قليلا في الكلمات والسطور ويسبر معانيها يجدها صحيحة وتصور الواقع لدى الكثيرين , ففي كثير من الأحيان كثيرون من الناس هم عالة على الزمن وعلى اهلهم وذويهم ولا يحق لهم ابداً عيب الزمان وإنما الواجب على كل واحد لملمة اوراقه ودراستها جيداً قبل لوم الزمان او عيبه , لأنّ الانسان في نظري وفي كثير من الأحيان هو نفسه السبب المباشر فيما يحدث له , ولا يحق له مطلقاً ان يلوم الزمان أو يكبّده أو يحمّله المسؤولية ولا بأي شكل من الأشكال .
وأخيراً ما على المرء حسب تصوري إلا ان يرى الأمور كما هي , ويبذل الكثير في تحليلها وبشكل موضوعي , ويضع الحد في ارضه وكذلك النقاط على الحروف , طبعاً بصدق وبشفافية اولاً مع نفسه ومن ثم مع الآخرين , عندها تتحسن الأحوال , وتتغير النظرة من وهمية الى واقعية وربما يؤدي ذلك الى صحوة ابدية والله من وراء القصد .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير