هل نحن شعب قارئ ؟ ب. فاروق مواسي
2015-05-29 11:50:39
كثيرة هي الأسباب في عدم الإقبال على الكتاب. بيئتنا -أصلاً وغالبًا- انحدرت من بيئة زراعية لم تكن تولي القراءة أدنى اهتمام، فلا بِدع إذا بقي أثر ذلك قائمًا، وظل العزوف عنها سُنة في عصرنا المادي هذا، وكأن الانهماك في المطالعة هدر للوقت، وأخشى أن أقول إن هناك من يسخر بصاحبها.
..
ثم ماذا تتوقعون من مجتمع امتنعت عنه أسباب القراءة، فليس لدى الأغلبية فيه كتب أو مكتبات، بل ليست هناك وظائف إشرافية مسؤولة – سواء من الحكومة أو السلطة المحلية- تدأب وتجدّ حتى تجد الوسائل المحفزة للدراسة ولمصاحبة “خير جليس ...“ (ورحم الله عمنا أبا الطيب).
..
وإذا أضفنا انغمار أبنائنا في التسلية وبرامج المسلسلات التلفزيونية والمغامرات والكراتيه (وتوم وجيري) والإنترنت وهلمجرًا جرّا، فإننا سنعلم علم اليقين أين نحن من القراءة ؟ أو أين القراءة منا؟!
..
ولرب سائل يسأل: وما جدوى القراءة في هذا العصر؟
فنجيب على سبيل التذكير – إن نفعت الذكرى- أن القراءة مصدر للمعلومات،ومفتاح للمعرفة، تزيدنا حكمة وتعمقًا في الحياة، وتدبرًا في أمورنا... تقدم لنا خبرات الآخرين، نتلقى الحروف فنستمتع، وقد نعبر بعدها عما قرأنا، نحقق شخصياتنا فتزداد ثراء وبهجة.
..
من واجبنا – إذن – أن نقرأ حتى نتعلم بعد أن كنا “ نتعلم حتى نقرأ “، نتعرف على النص، على المعاني، نربط، نركز، نتذكر، نستوعب، ننقد، بل أحيانًا نتعلم حتى نحل مشكلة، أو نعرض حلاً، أو نترك أثرًا.
وهذا – بالطبع- لا يغير من حاجتنا لقراءة التسلية أو المتعة، وكما ذهب إلى ذلك توماس بيكون (1561-1626) الناقد الإنجليزي الذي رأى في القراءة أنواعًا ثلاثة – للتعلم ( Learning)، ب- للمتعة (Pleasure)، جـ- للزينة (Ornament ) .
..
دعيت إلى بيت الكرمة لإلقاء محاضرة على أمناء المكتبات في الوسط العربي عنوانها “تحفيز المطالعة“، فقدمت بعض الاقتراحات أو الاجتهادات، وقلت:
...
*ما أحوجنا إلى مكتبة في كل أسرة ... يتعرف الطفل إلى أهمية الكتاب، وأهمية الحفاظ عليه، نشجعه على أن أفضل هدية لحفلة عيد الميلاد له ولأصدقائه هي الكتاب، وبالتدريج سيقتنع أو – على الأقل - يتقبل ذلك.
...
*ما أحوجنا إلى مكتبة في كل مدرسة ومؤسسة، ولا أنكر أن هناك مدارس كثيرة فيها مكتبات صفية، ومدارس فيها حصة مطالعة ضمن البرنامج، وتتم مراقبة المطالعة عن طريق إعطاء أسئلة ميسرة، أو عن طريق التسجيل في بطاقة خاصة .
...
*ما أحوجنا إلى إثارة روح التنافس، فلا يقوى التعليم بدون الغيرة البناءة. تصوروا لو كانت هناك مكتبة متنقلة في سيارة البلدية أو المجلس، ووقفت السيارة عند الجيران؟ وخرجت الجارة مع بعض أبنائها لاختيار مادة للقراءة؟ وسأدع لكم بقية الحكاية.
...
*ما أحوجنا إلى أن تكون المكتبة في عهدة أمين للمكتبة- يعرف ما هي الكتب التي في حوزته، ويتدارك "فلسفة“ بعض المعلمين الذين يطلبون تحضير مواد بصورة عشوائية، وربما لا يعرفون عن المصادر شيئًا- أعني تلك التي تخص ما طلبوه بالذات.
...
*ما أحوجنا إلى جعل المكتبة عاجّة بالحركة، تارة يكون فيها معرض، وطورًا فيها مناقشة، مرة فيها محاضرة، وأخرى عرض شريط، وهنا لا بد من إزجاء التحية إلى من بدأ يقوم بذلك، وما أقلهم!
...
*ما أحوجنا في كل مكتبة إلى تأسيس ما يسمى “أنصار المكتبة“ يحركون الأمور بدلاً من تركنا في القال والقيل والإركان إلى ثقافة الصحف فقط .
...
*ما أحوجنا إلى مجلات- منها المطبوع، ومنها المخطوط، منها ما هو من إبداع أبنائنا، ومنها ما هو من مقتبساتهم ومختاراتهم. أما مجلة المدرسة (أنى كان مستواها العمري) ففيها بالضرورة تعدد موضوعات – الأمر الذي لا يبعث على الملل، وفيها مشاركة الطفل بالاستفسار (وهو بالتالي سيهتم بالإجابة عن سؤاله)، وفيها جدة ومتابعة للحياة اليومية، وفيها ثقافة المجتمع وقيمه التربوية، وفيها الرسوم التوضيحية والفنية ... وكل هذا لا يتأتى إلا بعد القراءة التي نستمد منها، وفيها كل ذلك.
...
تصوروا لو نشرنا على لوحة إعلانات المدرسة نبأ وبصورة فنية عن صدور كتاب ... عن احتفاء به!
ألا نذوّت في الطفل تقدير الكتاب؟
...
تصوروا لو استـنـنّـا “سنة اللغة العربية" بصورة رسمية وجادة لا شكلية!
...
تصوروا لو قدم الإعلام – وخاصة إذاعتنا – المرخصة وغير المرخصة - من مرئية وغير مرئية – برامج جادة جيّدة ومسؤولة، ومراقبة تربويًا ولغويًا!
...
إنني على يقين أن كل متابعة بعزم صادق نتيجتها هي الوصول إلى السبيل.
...
خذوا بجد واحدة فقط مما قلت، وثابروا تجدوا أنكم أدركتم مبتغانا جميعًا..
أن نكون شعبًا قارئـًا –
أن نسافر عبر الحروف إلى عالم الحقيقة..... وإلى رهافة الجمال.
وقل اقرأوا...
........................................
من كتابي: تمرة وجمرة (مقالات في النقد والثقافة) ط 2، ص 85.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير