لمحة عن الأغيار في الشريعة اليهودية-أ. د. حسيب شحادة جامعة هلسنكي
2015-06-07 19:28:10
اليهودي، وفق تعريف الشريعة اليهودية، هو كل من وُلد من أم يهودية أو تهوّد بموجب متطلبات الشريعة، كما أن اليهودي الذي اعتنق دينا آخر أو أنه لا يقوم بالفروض الدينية يبقى يهوديا في نظر الشريعة، وكل شخص آخر يكون چويا، أي واحد من الأغيار ּأو ’نوخري‘ أي غريب، حتى ولو تعبرن وتصهين لغةً وفكرًا. هاتان الكلمتان العبريتان تردان في أسفار العهد القديم في سياقات متنوعة، ومعنى ’چوي‘ هناك هو شعب، أي شعب، وتطور مدلول هذه اللفظة في العصر الحديث ليعني غير اليهودي مثل ’العجمي‘ في العربية أي ’غير العربي‘. وردت هذه اللفظة العبرية لأول مرّة في سفر التكوين ١٢: ١-٢ بالمعنى المذكور، حيث يعد الله إبراهيم بجعله ”شعبا كبيرا“. إلا أن معنى هذه الكلمة تبدّل فيما بعد في لغة الحاخامين (لغة חז’’ל, רז’’ל) ولغة لفائف البحر الميت ليعني غير اليهودي. إضافة إلى ذلك هناك ألفاظ أخرى تندرج في النطاق ذاته مثل: الآخر/الغير، بن نوح، كنعاني، وثني (עובד עבודה זרה)، عابد الكواكب والأبراج (עכו’’ם, עכומ’’ז)، القاطن بين اليهود (גֵּר תוֹשָב).
اللغة العبرية تفرّق بين اليهودي وغير اليهودي بالنسبة للتعبير عن الوفاة أيضا، فبالنسبة للأول يقال נפטר أي أُعفي من القيام بالفروض الدينية الملقاة على كاهله، وللآخر يستعمل ما يقابل ”مات“ في العبرية. وهناك من فسّر גוי في سفر التكوين ٢٠: ٤ وكأنها ”شخص، إنسان“ مثل أبي سعيد الفيومي المعروف بالعبرية بالاختصار רס’’ג (רבי סעדיה גאון، ٨٨٢-٩٤٢م.). يذكر أن لفظة ”چوي، چوييم‘‘ في التلمود وفي أسفار المفسّرين والشريعة اليهودية تتبدّل مع العبارة ’’עובדי כוכבים‘‘ أي الوثنيين، وذلك لأن الأكثرية الساحقة من غير اليهود في تلك الحقبة الهلينية والرومانية كانوا من الوثنيين الذين لم يأبهوا بوصايا نوح السبع. أولائك الوثنيون اتّسموا بسفك الدماء والعهارة والقساوة إزاء اليهود.
يذكر أن اللغوي والمفسّر ربي دافيد قمحي (المعروف بالاختصار רד’’ק، ١١٦٠-١٢٣٥؟) في معجمه ” الأصول“ حاول تفسير تحوّل دلالة ’چوي‘ من شعب، أي شعب، إلى شخص غير يهودي؛ اعتاد الحاخامون، الربانيون تسمية غير اليهودي بأنه ’چوي‘ وليس من بني إسرائيل بل من شعب آخر غير مذكور. ويبدو أن معنى גויים في سفر إرمياء ١٠: ٢ هو غير اليهود. ويشار إلى أن أيدي الرقابة المسيحية في أوروبا دأبت على استبدال لفظة גוי مرة بلفظة עכו’’ם (عبدة الكواكب والأبراج) وطورا بكلمة כותי (من كوت، اسم بلد في بلاد ما بين النهرين؛ السامري في نظر اليهود الربانيين وهي تسمية محقّرة وهناك سفر صغير في التلمود يُدعى ” מסכת כותים, سفر الكوتيين“) عند طباعة الأسفار المقدسة اليهودية.
التوراة اليهودية تفرّق بجلاء بين شخص من بني إسرائيل المعرّف بـ”إنسان‘‘ وبين ’’الغريب‘‘. هذا يعني أن أي نوع من المساواة بين بني البشر لا علاقة له بالشريعة اليهودية البتة. وهناك في الشريعة اليهودية فرق بين قتل اليهودي وقتل غير اليهودي، إذ أن الحكم على الأخير أخفُ بكثير من الأول (أنظر مثلا: أشعياء ٦١: ٥-٦؛ ميخا ٥: ٨، ٧: ٧؛ تثنية ٧: ٢-٦؛ سفر السنهدرين ٢:٩؛ يبموت س ا: ع ا. وينظر في الرابط: http://www.israelshamir.net/Hebrew/Heb9.htm).
تعتبر الشريعة اليهوديةُ الهندوسيةَ والبوذيةَ والزردشتيةَ بأنها وثنية في حين أن معظم مصادر هذه الشريعة تعتبر المسيحية وثنية أيضا (رمبام: المسيحية تعبد الأوثان) أما الإسلام فليس كذلك. هذه عيّنة مما في التراث اليهودي عن غير اليهود في مجالات شتّى وهذا بالطبع لا يعني أنه ممارس اليوم في كل الأحوال:
* إذا لاحق يهودي چويا لقتله فيمنع قتل اليهودي لإنقاذ الچوي، حتى ولو لم تكن وسيلة أخرى لإنقاذ الجوي.
* ممنوع إنقاذ الچوي إلا إذا كان هناك خطر إثارة العداء ضد اليهود.
* على الطبيب اليهودي تجنّب خرق حُرمة السبت من أجل علاج الأغيار.
* بناء على بعض المصادر في الهالاخاه (الشريعة اليهودية) يجوز مبدئيًا سرقة الچوي.
* في صفقة تجارية حيث يطلب اليهودي من غير اليهودي مبلغًا باهظًا ويُخفي رداءة البضاعة فلا جرم عليه، لا يدفع تعويضاتٍ كما لو كان المشتري يهوديًا.
* عندما يكون يهودي مَدينًا لچوي متوفٍ لا يُجبَر على تسديد الدين لورثة المتوفى في حالة عدم علمهم بالدين، ويُسمح لليهودي بالكذب إذا سأله الورثة عن دين كهذا إذا كان اليهودي متأكدًا من عدم معرفتهم بالديْن.
* إذا دفع الچوي في صفقة تجارية أبرمت مع يهودي مبلغا من المال أكثر من اللازم خطأ فلا يُردّ ذلك أما بالنسبة ليهوديين فيعاد المبلغ الفائض.
* في كافة الصفقات التجارية، شراء وبيع، إيجار واستئجار، إقراض واستقراض المال إلخ. يجب تفضيل اليهودي على الچوي حتى ولو أدّى ذلك إلى خسائر مالية طفيفة.
* يجب فرض فائدة عالية على قرض الچوي.
* بناء على معظم الآراء لا يجوز لمتهوّد أن يحكم يهودا بالولادة.
* شهادة الچوي غير مقبولة في محكمة يهودية.
* تذهب معظم الآراء إلى عدم إعادة ما أضاعه الچوي.
* لا يجوز انتهاك حرمة السبت من أجل إنقاذ حياة الچوي.
* يمنع اليهودي من استهلاك مأكولات صنعها الچوي.
* بعض الآراء تمنع اليهودي من شراء الخبز من خبّاز غير يهودي حتى ولو لم يكن هناك خباز يهودي. آراء أخرى تسمح بذلك في حالة عدم توفّر خبّاز يهودي. ورأي آخر يسمح بذلك حتى ولو كان هناك خبّاز يهودي.
* إذا نطح ثورُ يهوديٍ ثورَ الجوي فلا عليه أما إذا حدث العكس فيغرّم صاحبه.
* سارق الجوي معفيّ.
* لا يمنح اليهودي الچويَ هديةً إلا في حالة المعرفة الجيدة بينهما وتوقّع الأّول الاستفادة من الثاني.
* ممنوع مدح الچوي أو مباركته.
* ممنوع بيع عقار لچوي في أرض إسرائيل.
* على ضوء بعض المصادر توجد القساوة والانتقام لدى الأغيار فقط.
* الفرق بين الأمة اليهودية والأمم الأخرى شبيه بالفرق بين الإنسان وباقي الحيوانات.
* بعض الآراء تقول بأن اليهود فقط خُلقوا بصورة الله (هذا بالرغم مما ورد في سفر التكوين ١: ٢٧ عن خلق الله للإنسان بصورته).
* من يضرب الجوي ويؤذيه معفي من دفع تكاليف الضرر، ولكن إذا ضرب الجوي يهوديا فيحكم عليه بالموت.
* لا يعيّن الجوي في أية وزارة حتى ولو كان متهوّدا صادقا.
* القول ’’لا تكره‘‘ ساري المفعول بالنسبة لليهودي فقط، أي أنه من الجائز كره الجوي.
* يجوز الانتقام من الجوي وحقده وفريضة ’’وأحبب صديقك‘‘ تقتصر على اليهود فقط.
* على من يرى قبور الجوييم أن يشتم ويقول….
* على اليهودي المارّ بكنيسة أو بأي مسكن لچوي أن يقول ’’الربّ يُزيل بيوت المتباهين ويحمى حِمى المرأة الأرملة ‘‘ (سفر الأمثال ١٥: ٢٥).
* هناك شبه بين الجوييم والبهائم: إذا سبّب ثور ضررا لجارية فالحكم كأنه أضرّ بحمار؛ جثة الجوي لا تدنس وجوي لمس ميتا لا يتدنس فالحكم هنا كحكم بهيمة لمست ميتا. وفي أقوال الأنبياء والحكماء يعتبر الأغيار بهائم.
* لا يمكن قبول ذبيحة الجوي.
* على الچوي ألا يدرس التوراة وإلا عوقب ضربًا ورأي آخر يقول: الموت لكل جوي يشتغل بالتوراة (أنظر مثلا: الرمبام، הלכות מלכים פרק י הלכה ט، التلمود البابلي، السنهدرين ٥٩، ١). هناك آراء أخرى مضادة تقول مثلا إن الچوي الذي يتعلم التوراة هو بمثابة كاهن أكبر (أنظر مثلا التلمود البابلي، عڤوداه زاراه ٣: ١). وينظر في كتاب ” توراة الملك“ لمؤلفَيه الحاخامَين يتسحاك شپيرا ويوسف إيليتسور الصادر عام ٢٠٠٩ والذي أحدث ضجة في الديار المقدسة!.
* يعتبر الجوييم وفق ما ورد في أسفار الأنبياء والحكماء بهائم.
* يحرّم شرب خمر لمسها چوي.
* موقف التوراة الشفوية إزاء الأغيار يتّسم بالتشكيك بهم وبالعدائية، والجوي أحيانا مثله مثل البهيمة. يفسر مثل هذا الموقف كردّ فعل على ما عاناه اليهود في تاريخهم من اضطهاد وإساءة الأغيار لهم، مع هذا يشار إلى أن حياة اليهودي تساوي أكثر من حياة غير اليهودي بناء على أسس دينية وإيديولوجية يهودية. ولا يمكن التعميم في موضوع نظرة اليهودية نحو غير اليهودي، الچوي. وفق ما ورد في الچماراه لا يجوز خرق قدسية يوم السبت من أجل إنقاذ حياة الچوي في حين أن الأحكام الدينية اليهودية المعاصرة تجيز ذلك لاعتبارات مختلفة.
* في بعض الأحيان نجد أن موقف هذا الحاخام أو ذاك نحو غير اليهودي يعكس تجربته الحياتية؛ فهذا ربّي شمعون بار يوحاي الشهير، تلميذ ربي عقيبا، يقول ما معناه إن أفضل الأغيار هو المقتول وأحسن الأفاعي هو المدقوق رأسه! كما يحرم الاضطجاع مع چويه لأن ذلك شبيه بجماع البهيمة وذلك محرّم كما جاء في سفر اللاويين.
* في كل صباح يردّد اليهودي في صلاة الفجر ’’مبارك لأنه لم يجعلني من الأغيار‘‘ وهذه البركة واحدة من الـ ٦١٣ فريضة (תרי’’ג המצוות) المفروضة على كل يهودي في حين أن ’’الغريب‘‘ مطالب بسبع وصايا نوح فقط.
وهذه الوصايا هي:
١) عدم عبادة الأوثان
٢) عدم التجديف باسم الرب
٣) عدم القتل
٤) عدم كشف العورات
٥) عدم السلب أو الاغتصاب
٦) عدم أكل اللحم بالدم
٧) عدم تعيينه قاضيا
وفي رأي موسى بن ميمون، الرمبام، (ت. ١٢٠٤) كل من يأخذ على عاتقه هذه الوصايا ويقوم بها يعتبر من ”أتقياء أمم العالم“ (חסדי אומות העולם) وله نصيب في الجنّة. وهناك من يقول إن اليهودية ليست عنصرية لأنه في مقدور كل واحد من الأغيار التهوّد. ويتمتع اليهودي بخصال إيجابية أكثر من الغير شرط أن يسير وفق فروض التوراة وإلا فلا فضل له على غيره. وهذه النقطة قد تذكّر الكثيرين بالحديث النبوي ”لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى“. وفي فجر المسيحية دعي غير المسيحي بـ pagan ومعناها في اللاتينية الكلاسيكية: ’’قروي، ريفي، فظ، غير مقاتل‘‘ ومنها تطور مفهوم الوثنيين. وترى اليهودية أن لليهود فضلا واحدا على غيرهم : إنهم أرحم من غيرهم. شعب إسرائيل أكثر من مجرّد عضو، إنه القلب أو المخ ووظيفته ضخّ الحياة للجسم كلّه وكلّما اشتدّ عود شعب إسرائيل يشتدّ الجسم كله ويقوم بواجبه على أحسن وجه وكل يبحث بطريقته الخاصة عن الخالق.
وفي كتاب ”المائدة المعدّة/الجاهزة“ (שולחן ערוך) ليوسف قارو (١٤٨٨-١٥٧٥) مادة وفيرة عن معاملة اليهود للأغيار مثل: لا يجوز توليد غير اليهودية؛ حظر مدح الچوي؛ حظر تعليمه أية مهنة؛ حظر إرضاع الجوي من أم يهودية إلخ. إلخ.
وختاما نذكر مهنة تسمى بـ”جوي السبت‘‘ أي غير اليهودي، وهو عربي في الغالب الأعم في البلاد، يقوم بما يحرّم على اليهودي المتدين من أعمال يوم السبت. وكان الراب عوڤاديا يوسيف (١٩٢٠-٢٠١٣)، الزعيم الروحي لحزب شاس الديني، كما يذكر البعض، قد تمنّى الموت لأبي مازن والفلسطينيين، بل صرّح بأن لا مكان للأغيار في العالم سوى خدمة شعب إسرائيل المختار. عند قدوم المسيح سيحظى اليهود في تقدير يوسيف بحياة أبدية أما الأغيار فبطول العمر لخدمة اليهود.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير