مدخل الى الذات بالمفهوم العرفاني التجاوزي ..بقلم: كميل فياض
2015-06-08 12:28:17
مدخل الى الذات بالمفهوم العرفاني التجاوزي ..
 
قبل الدخول في الحديث عن الموضوع , ارى ان لا بد من الاتفاق على نقطة اساسية ..وهي ان الذي يحدثكم مضاء بتجربة وباتصال بحقيقة الوجود بصورة مباشرة ، ولا يعتمد اي وسيط واي مرجع .. قد يكون من غير السليم ان اقول هذا الكلام ، من حيث الاخلاقيات والآداب والعرف والتقاليد ، وقد قال "كرشنا مورتي" وهو أمام  حشد مستمعيه  : " ان من يقل عن نفسه انه مستنير ، فاعرفوا انه غير مستنير"  وهو يتحدث في اطار تلك الآداب .. ومن المفيد هنا القول ، ان لكل عارف طريقته ، ولن اسير وراء اي منهم ، وإلا اصبح مجرد تابع ومقلد ، وبالتالي لا اصدر عن اصالة معرفية .. ثم لا يوجد تطابق بين البصمات والاشخاص والامزجة والاساليب والاذواق ، وان وجد تشابه ..
اقول :عندما نطرح النوايا المغرضة والانانية والشخصانية جانبا ، عندها ينبغي الا نأخذ المتكلم بما يقول – سواء عن نفسه او عن غيره -  لنحاكمه بتلك السذاجة الأدبية .. فعندما اقول انني مُضاء ، لا اقول هذا  للتبجح وللتميز ولنفخ العضلات ، بل لوضع اعتبار اساس في اذهانكم ، ان الذي يحدثكم هنا ليس صاحب رأي يريد الادلاء به ، او صاحب عقيدة يريد نشرها ، او صاحب فلسفة وتفسيرات منطقية او فوقية الخ ..  الذي يحدثكم صاحب تجربة وهو متصل بالحقيقة اتصال مباشر ، ولا يعتمد التفسير والتأويل والرأي والقياس وما الى ذلك ، حتى يتم التعامل مع الموضوع منذ البداية على هذا الاساس ، وانا كأي منكم بل اقل في كثير من الامور .. 
من يدعي الاستنارة ويطرح نفسه كمعلم وهو غير مستنير هو طبعا يكذب على نفسه ، لكن ليس المشكلة في انه يكذب على نفسه ، هو يستطيع ان يتمتع بهذا الوهم او ذاك ، كما يشاء . المشكلة انه يضلل الناس ويرشدهم الى تقليده ومحاكاته كنموذج لما يدعي  .. اقول واكرر ليس خطئا ان يعرِّف المضاء او المستنير نفسه بهذه الصفة ، المهم ان يكون فعلا كذلك ، وما الخطأ في ان اعرِّف نفسي امامكم كمستنير ؟  وبأي  صفة اقف امامكم واتحدث اليكم ، وما هو مبرر وقوفي هنا ، وما معنى حديثي عن الاستنارة والكشف والتحقق وما الى ذلك وهو لب الموضوع ؟   لا مشكلة في ذلك طالما لا نقصد ان نتبجح ونعرض عضلات وطالما نطرح الامور بعفوية وبعلمية وبتجرد وخدمة للموضوع  ، انه من قبيل  وضع الامور في نصابها واضحة .. 
اما انتم وبخلاف ما يرجوه او يطلبه  الشيخ او الفقيه او المسيونير المبشر الخ ، او المرشد الروحاني التقليدي ، من الناس، او من الطلاب ،ان يحاكوه يقلدوه ان يمشوا وراءه ، ان يتبعوه ، ان يؤمنوا بما يقول ، ان يسلموا له مقاليد عقولهم ، وهو يتولى عنهم فهم ما اقفل عليهم ، وهو يضمن لهم الخلاص والجنة والثواب ،او التحرر والتنور الخ..  .. بخلاف هذا المنطق التلقيني التسليمي الاتباعي الاخضاعي .. اقول عليكم الا تقبلوا مني اي كلام ، واي توجيه ، بصورة سلبية  ، بل عليكم بالشك  والانكار والتحقيق، حتى يثبت لكم العكس ، وكتجريب ، لا كاقتناع سطحي .. عليكم رفض اي كلام اقوله  لا ترونه كما اراه ، حتى يتم لكم  من فهمه ما تم لي .. فنحن هنا معًا لنكشف الحقيقة سوية ، لا باعتبار الذي يحدثكم شيخاً ، او معلم او غورو ، او وسيط سماوي او ارضي   .. فأنا لا ادعوا لاله ولا لسماء ولا لغيب ولا لسر مقدس منزه لا يُطال ..
 لا ادعو  لشيء ، انما اقدم بعض مفاتيح للوعي فيكم وفيّ تجاه جوهره بصورة رمزية .. لماذا رمزية ، اذ لا توجد لغة تعبر عن الحقيقة ، وشرط فهم الحقيقة ان تتصل بها بنفسك ، لا عن طريق الارشاد والتوجيه والتفسير والشرح ، فهذه الامور كلها تفيد الفلسفات والاديان التي تقدس الغيب ، وترى ان هناك عالم غيب وعالم واقع ، وانهما  منفصلين تماما من حيث اختلاف كل منهما عن الآخر اختلافا بالطبيعة والماهية ، وقد وضعت الانسان في خانة الخليقة كليًا ، وصورته  قاصرا عاجزا عن فهم نفسه ( قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا )  .. ولذلك فان الاديان تطلب منك ان تؤمن وان تذعن وتسلِّم ، لا ان تفهم  ولا ان تكشف ولا ان تتصل وتتحقق ، اذ لا مجال لذلك فيها ، وذلك من حيث انها منذ البداية فصلت فصلاً نهائيًا وماهويًا وجوهريًا ، بين حقيقة وجود عليا مشخصة تسمى الله وتسمى خالق ، وبين واقع حسي طبيعي ملموس ، يسمى خليقة ومخلوقات  .. وعكس ذلك ما اتحدث لكم عنه هنا ، اذ نحن طلاب حقيقة او حقائق ، لا طلاب آخرة وجنة وغيب .. وطلب الحقيقة يقتضي منك ان تعرفها ان تكشفها بنفسك ..
 
طريقتين وطرحين للحقيقة :
 
هناك طريقتين لطرح الحقيقة ، او للطرح ازاء الحقيقة .. طريقة تضع الحقيقة امام الطالب اولا ، وتضع مواصفات لها وسبيل اليها ، ومن ثم اعطاء تقنيات وارشادات و" سدنة" نظام  مسلكي ، ينسجم مع ضرورات التحقق والوصول  ..
وطريقة اسميها (سقراطية) استخدمها سقراط  واستخدمها كرشنا مورتي ، وساد غورو وآخرين هذا العصر ، تتمثل في استدراج الطالب الى الكشف ، دون تحديد مسبق لطبيعة الحقيقة وصفتها ، ودون وضع برنامج او نظام وسبيل للوصول والتحقق ..
ولكل من الطريقين ايجابياته وسلبياته ، ومن ايجابيات الطرح الاول وضع الطالب منذ البداية امام معادلة او فرضية مسماة  ومحددة ، كي يعرف ما الذي يريده والى اين هو ساعٍ مع المرشد ( ليطمئن قلبه) .. ومن سلبيات هذا الطرح هو بالذات  التسمية المسبقة والتحديد المسبق للحقيقة ، خصوصا حينما تسمى " الله" او المطلق او السعادة العليا ، او الخير المحض وما الى ذلك .. اذ في هذه الحالة يستدعي هذا الطرح نموذجا للمحاكاة – سواء داخلي او خارجي -  وكثيرون يرون في المعلم او المرشد هذا النموذج ، وهنا تبرز الاشكاليات العقلية والنفسية ، وتبرز التساؤلات والشكوك ، اذ مَن  مِن البشر يستطيع تجسيد نموذج الله او الكمال المطلق ؟ رغم استنارة المعلم ، المرشد او الغورو .. ومن هنا تنبه البعض من المستنيرين الى خطورة هذا الطرح التقليدي الذي يعتمد وضع كل شيء منذ البداية امام الطالب ..
 
اما ايجابيات الطرح الثاني – الذي لا يسمي ولا يحدد منذ البداية ما هي الحقيقة – ان الطالب يسعى بنفسه لكشف الحقيقة  .. ومن سلبياتها صعوبتها ، ومعظم الطلاب لا يفهمون المعلم ، ولا يعرفون عما يتحدث وماذا يريد ان يقول .. وقد اقر كرشنا مورتي - احد ابرز هذه الطريقة ولعله ابرزها في هذا العصر ، في اواخر ايامه - ( ان لا احد فهمه ) طيلة مسيرته العرفانية .. واعتقد انه بالغ في هذا الاعتبار .. فلا احد يملك مسبار للمعرفة وللتحقق ، ولا يوجد مسبار وقياس لذلك – كما علَّم وكرر  هو بنفسه ..
 
 
كميل فياض
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق