فرح قد كان وما تمّ -بقلم : د.محمد سلامة حسن(ابو علي) – المشهد
2015-06-20 22:17:47
فرح قد كان وما تمّ عرس ينقلب إلى مأتم
بالعبرة فكّر واهتمّ كي تعبر دنياك وتغنم
باتت قريتي المشهد ليلة السبت الفائت على نبأ يصعب هضمه واستيعابه، لا لأن الأمر يتعلق بالحق المكروه وهو الموت، بل لأنه يتعلق بحالة نادرة الحدوث، ولست مبالغا إذا قلت، لم تزل المشهد تشهد أهوال الصدمة، وآثار الفاجعة، عقب وفاة والد العريس (أبو أسعد) في سهرة ابنه أسعد, فقد شهد الحضور أن المرحوم في تلك الليلة – المعروفة بالزيانة – كان مسرورا وسعيدا للغاية، كيف لا، وهو ولده الوحيد، وفي ساعة خروج الروح، ظهر عجز الجار الطبيب، والقريب الحبيب، الناس في حيرة وصدمة وذهول بين مصدق وغير مصدق، بين مستوعب وغير مستوعب، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لقد كان سكرتير المدرسة الشاملة في المشهد الأخ الزميل المرحوم مصطفى أسعد كريم (أبو اسعد ) واحدا من أبناء القرية البررة، عمل في مهنته عقودا من الزمن، ما سمعنا عنه أنه أغضب أحدا من الناس، أو كان له ضلع في أي إشكال صغر أو كبر ،ولو أردنا أن نجتهد في بيان ما عرفناه عن الفقيد لطال بنا الحديث، ولكن سأحاول - بما أوتيت من بضاعة متواضعة – الاختصار ما استطعت لما في هذا الكلام من فائدة تتجاوز الحدود الجغرافية لقرية المشهد الجليلية.
فعلى الصعيد الأسري، تزوج أبو اسعد الفاضلة عفاف (أم أسعد) ابنة المرحوم سعيد أسعد حسن (أبو مثقال ) إمام مسجد المشهد الأسبق، وأنجب خمسة بنات وابنا واحد هو العريس أسعد، وقد عمل المرحوم بالتعاون مع زوجته على تعليم أولاده وتربيتهم تربية صالحة، فثلاث منهن تعلمن في الجامعات والكليات وتزوجن، فمنهن المدرسة والمحاسبة والمحامية، واثنتان تدرسان إحداهما لم تزل تدرس في الجامعة العبرية، والأخرى تدرس الطب على وشك التخرج. والكلّ يشهد أنه كان زوجا صالحا، ووالدا مربيا .
وعلى الصعيد الديني الاجتماعي، كان المرحوم حاجّا صائما مصليّا، مواظبا على صلاة الفجر جماعة في المسجد، شهد له الناس بالاستقامة، وعفة اللسان، وطهارة القلب، وبشاشة الوجه، وحسن الجوار ، ولين المعشر، وطيب المعاملة .
وعلى الصعيد المهني، كان المرحوم سكرتيرا في المدرسة الشاملة التي تضم ثانوية وإعدادية، وبفضل همّته العالية، ومهنيته الفائقة، استطاع أن يقوم بالواجب تجاه المدرستين، فكان مخلصا في عمله، ومتقنا لمهنته، نَدَرَ أن يغيب عن الدوام، وبقي حريصا على ترتيب وتنظيم سير الامتحانات في المدرسة حتى الرّمق الأخير، فكان رحيله فاجعة للقرية عامة وللمدرسة خاصة، فقد بكاه المدير والزّملاء والعاملون والموظفون والطلاب .
لقد شهدت المشهد ظهر السبت الفائت 13/6 واحدة من أكبر جنازاتها، فقد شيّع الآلاف جثمان المربي أبي أسعد في أجواء حزينة، صامتة، برز فيها وحيدًا صوت العريس المحامي أسعد أثناء تشييع الجنازة، فكان يكبّر ويقول : " أحلى عرس يابا إلك في الجنة إن شاء الله، عرسك في الجنة يابا ....".
وفي الختام، أبو أسعد رحمه الله، لم يتمّ فرحه بزفاف ولده كما كان يأمل يوم الاثنين 15/6 /2015 م، ولن يسافر مع زوجته لمشاركة الطبيبة حفل تخرجها، لقد اقتضت حكمته سبحانه شيئا آخر، وله الحكمة البالغة، سواء أدركناها أم لم ندركها، لقد كان الأجل أسبق من الأمل، وفي ذلك ذكرى للذاكرين .
نشهد أن أبا اسعد كان راضيا بالقضاء والقدر ،مقرّا بالقسمة والنصيب، سعيدا بنصيبه، وهذا ما سطّره بدعوة عرس ولده الوحيد أسعد، وكأنه بذلك يشير من حيث لا يدري إلى ما سيكون، والناس يشهدون كذلك أن أبا أسعد جاءته منيّته وهو في قمة فرحه، وفي أسعد لحظاته، يرحب بالناس، ويسلم عليهم، ويصافحهم، كأنه يودعهم، جعل الله زوجته وأبناءه وأشقاءه وأقاربه ومعارفه من الصابرين المحتسبين .
طبت حيّا وميّتا يا أبا اسعد، فقد بلغت طيبة قلبك، ومحبّتك للناس مبلغا عظيما ،ومن دلائل هذه المحبة، أنك تركت لنا عبرة خالدة، لن يمحوها الزّمان، وستبقى حديثا تتوارثه الأجيال، ويتناقله الناس، فطوبى لمن تذكر بعد الذكرى، وهنيئا لمن اعتبر بعد العبرة، وها نحن قد بلغنا الله رمضان، فلنجعل من وفاة فقيدنا أبي أسعد فرصة لتذكير المؤمن، وتنبيه الغافل، وإرشاد العاصي، إنها فرصة للتّوبة والعمل الصالح حتى خروج الروح، نسأل حسن الختام، والوفاة على الإيمان، إلى اللقاء أخي أبا أسعد، غدا نلقى الأحبّة محمّدا وصحبه، "الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين " . وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير