في سبيل تربية تحررية جوهرية لأولادنا .كميل فياض
2015-06-22 13:04:28
مختلف مشاكلنا تعود الى التنافس على التملك والتسلط والظهور ، ومصدرها جميعًا هو (الانا)..
وفي الحقيقة لا يمكن معرفة الانا كظلمة الا بمعرفة نور الحقيقة فينا والتمييز بينهما ..
كيف يظهر الانا ويسيطر ؟
الايغو او الانا لا يظهر الا في المقارنة بينك وبين الآخرين .. هناك من تراهم فوقك وهناك من تراهم تحتك ، وادوات المقارنة تتمثل في الانتاج الذي تقدمه ، في الصفات الذاتية ، وفي الانجازات .. (انا صفاتي اجمل او انا عملت افضل وحققت اكثر ، او اقل ).. هكذا يتبلور المقام الخاص بالانا خاصتك ، بين من هم فوقك او من تراهم فوقك ، وبين من تراهم تحتك ، او اقل منك ..
من اين ينبع الانا اساسًا ؟
يتشكل الانا من أشكال وصور وأسماء .. من اشكال وصور ذهنية ونفسية وحسيِّة ، يتشكل من الفهم الشكلي العفوي لأنفسنا ، فكريًا ونفسيًا وحسيًا .. كل هذه المفهوميات المبنية على الشكل مجتمعة تكون شخصيتنا الفردية ، التي تختلف عن الآخرين ، فلا يوجد تطابق في الشخصيات ، والايغو هو نزوع كل شكل للاختلاف بالتميز على غيره من الاشكال الاخرى .. غير ان وراء الاشكال المختلفة ، يقبع وعي لا شكلي بسيط مطلق - بسيط بمعنى غير مُركَّب - هو ذاتنا الحقيقي الذي هو ذات الوجود نفسه ، وهو فينا جميعًا .. ولا يختلف في الحكيم المتحقق عنه في الانسان العادي ، هو ذاته في العالِم والجاهل ، والخيِّر والشرير ، والغني والفقير ، والجميل والدميم .. وهو ذاته في الله وفي الخلق ، بل هو المطلق الذي يشمل مفهوم الله ، وهو في كل شيء وخلف كل شيء ..
ولا يَبطُل الايغو – وهو مصدر التوتر والقلق النفسي الخفي وراء كل توتر وقلق – إلا بتجاوز الفهم الشكلي لأنفسنا ، هكذا نرى اننا جميعًا عمليًا واحد خلف كل الاختلافات الظاهرة ، عندما ترى ذاتك في الآخر وخلف شكليكما ، لا يعد سبب للمقارنة بينك وبينه في سبيل التفوق والتميز ..
هذا الطرح الذي هو طرح الحكمة العليا التجاوزية ، يجب ان نتبناه كنهج في التعليم والتربية ، في البيت والمدرسة والجامعة ، اذ لا يوجد حل لصراعاتنا – سواء الفردية الشخصية او الجماعاتية المختلفة – الا بتطبيق هذا النهج .. وما الصراعات الطائفية والقومية والفئوية والطبقية الخ ، الا تعبيرا عن الجهل بحقيقة وجودنا الجوهرية ..
عندما يكف اليهود عن شطف ادمغة اطفالهم واولادهم في البيوت والمدارس " كشعب الله المختار" وحول فكرة انهم مضطهدون مظلومون ملا حقون .. وعندما يكف المسيحيون عن ادخال فكرة ان المسيح هو افضل من كل الانبياء بصفته (الالهية الاستثنائية ) او لأنهم الاكثر عدداً في العالم .. عندما يكف المسلمون عن تكرار نهج الخطاب الديني باعتبار ان القرآن اصدق واكمل الكتب ، وان النبي افضل عند الله من سائر الانبياء ،وانهم "خير امة " الخ .. عندما يكف كل اتباع المذاهب الدينية المختلفة جميعًا ، عن اعتبار انفسهم المفضلون عند الله على غيرهم ، لهذا الاعتقاد او ذاك ..
عندما نصبح نرى الحياة من منظارها ، ونقرأها على الهواء مباشرة ، ولا تعد تضللنا المعتقدات والتفسيرات اكثر ، حيث الوجود وفهم الوجود لا يحتاجان الى تفسير ، والحياة وفهم الحياة لا يحتاجان الى تأويل وشرح ، بل الى قلوب صافية ، والى أوعية خالية من كل تلقين .. عندها يمكن ان نكون قد بدأنا السير في طريق التحرر من التاريخ البائس ، الذي نجتره دائمًا في الحاضر ونؤسس به للمستقبل ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير