مصادر الازدواج بين الخير والشر في الأديان "التنزيلية"
2015-06-24 11:28:39
التفنن والتجديد في التعذيب والاعدامات الذي تمارسه داعش ،من شنق الى حرق الى تفجير الى قطع الى تقطيع الى اغراق ، هي سادية تكمن لذتها عند الهة الشر ، في عقائد سابقة على الديانات التنزيلية .. ومن وحي هذه الالهة يستوحي الاتباع والمؤمنين ، فنون التمتع بالتعذيب والقتل والتدمير .. ان الديانات التي اسميت وهمًا وايهامًا واستيهامًا ( تنزيلية) ما هي الا امتداد لتلك العقائد السابقة ، ولا جديد في جوهرها ، من حيث انطوائها على ازدواجية الوجود ، فيزيقي وميتافيزيقي ، اي على فصل في الماهية والطبيعة والجوهر بين الاله والخلق من جهة ، وعلى نقيضي الخير والشر من جهة اخرى ، لا جديد اذن ولم يتم التجاوز للماضي السابق على تلك الاديان .. فالخير والشر مكونين لتلك العقائد نفسها ويتمثلان في الدعوة للبِر والاحسان ، مع الدعوة للبطش والقتل والتعذيب ، وذلك امتداد لما وجد في العقائد السابقة على الديانات "التنزيلية" وبالذات على التوراتية والاسلام ، حيث في هذين المعتقدين يكثر هذا الازدواج بين الخير والشر والدعوة لهما ..
من تلك العقائد السابقة التي تشكل امتداداً وتداخلاً في التوراتية والاسلام ، المزدية والزدشتية ، وعقائد اخرى من ما بين النهرين ، بابلية وسومرية واكادية كلدانية ، حيث حفلت فيها صراعات النور والظلام والخير والشر الخ .. ولا يخلو مذهب من المذاهب المتفرعة عن تلك الديانات من آثار ذلك الازدواج التدميري ..
وارى ان المسيحية الحقيقية ، كالهندوسية والبوذية ، زائد (الكبالاتية ) في اليهودية ، والصوفية العرفانية التوحيدية في الاسلام ، هي تجليات ودعوات احدية للخروج من ازدواجية الوجود الظاهر ومن صراعاته ..
ويلفتني تنبه احد العارفين المعاصرين الى ظاهرة فيزيائية مركبة ، بل هي جزء من التكوين الاساس للمادة ، تعكس
او تعبر عما يقوله المستنيرين على المستوى العرفاني الخالص ، وهي ان في صميم الذرة هناك ازدواج وتضاد ( الكترون يقابله بروتون ، وهناك الفوتون ) .. ورغم عدم انتهاء العلم من دراسة محتوى الذرة ، يمكن الاستنتاج ان الجزيء المسمى فوتون يعكس عنصر التجاوز للتضاد في المادة نفسها .. وفي الواقع الاجتماعي والديني نحن لا نتطور طالما لم (ننفجر ونشع ) ونخرج من ذراتنا ومن ظلمتنا الحسية النفسية الذهنية المزدوجة ، الى ما يتجاوز التضاد من خير وشر على السواء ، فالله فو ق الازدواج ولذلك هو احد وليس واحد فقط ..
غير ان الله ليس فوق المادة ، اذ هي تجسيد انعكاسي له عبر السهل الممتنع للفهم العقلي العادي ، فهو ينطوي على جميع اشكال التضاد والاختلاف والصراع ، ومن ذلك يتكون محرك الخلق والتغير الدائم والتجسد الدائم لله والخلق على السواء ..وهو (أحد) لأنه الكل في الكل وفي الاجزاء لا خارج الاشياء كليًا ، كما يعتقد التنزيهيون حتى الاعدام ..
لكن لا يمكننا الاتصال بالحقيقة ولو جزئيًا ، الا بالخروج من الفكر او عند توقف الفكر ، وهو الفاصل الوهمي بين الله والمادة ..
ومن شروط التحقق في هذا المقام هو التحول من الاعتقاد الى التحقيق والكشف ، من العاطفة العمياء الى الروح المضيء ..
اي من الازدواج والتضاد والصراع بينهما الى سكونية الماهية ، وهي قائمة فينا وتتخطانا في اللامتناهي ..وكونها فينا بل ذاتنا وجوهرنا يكمن المبرر للبحث عنها للكشف والتحقق بها ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير