الراي الحر | لننزل الله عن الصليب ..كميل فياض | موقع المدار الاول في الشمال

الاحد 17.11.2024

الرئيسية >> الراي الحر

(اضف تعقيب)

لننزل الله عن الصليب ..كميل فياض

2015-06-27 15:46:20

هناك امور يحتاج الحديث عنها الى ايجاد تفسير ، الى ايجاد مبرر ، الى شرح ومقدمات .. وهناك ما لا يحتاج الى اي شيء من ذلك باعتباره بديهي ، او ما يُعرف كبديهي .. وعمومًا كل ما دخل نطاق المُدرَك الحسي الخالص يعتبر بديهي .. الشمس ، القمر الارض الكائنات الحسية المختلفة .. عندما يتحدث احدنا عن الشمس الجميع يعرف ماذا يقصد ، حتى لو جرى الحديث في الليل .. كذلك بالنسبة لسائر الكائنات الحسية المعروفة ، الامر بديهي عند الجميع ، الجميع يعتمدون على نفس طبيعة الادراك الحسي ، ويشتركون في فهم موضوعات العالم الحسي مبدئيًا على السواء .. لكن عندما نتحدث عن العالم الآخر ، عن ما وراء الطبيعة ، عن الله ، عن المطلق الخ .. يختلف الامر وتأتي العقائد والفلسفات والاساطير المختلفة لتحدثنا عن الموضوع ، وتقدم لنا صورا وتفسيرات ومفاهيم شتى .. ذلك ان الموضوع هنا ليس بديهيًا ولا يدخل في نطاق المُدرَك الحسي وعلى نفس القاعدة ..

طيب اذا كان الامر كذلك ، وانا اقف هنا لأتحدث عن ذلك العالم ، العالم الآخر خارج نطاق الخبرة الحسية وخارج الادراك الحسي ، ما هو مبرر وقوفي هنا وتحدثي عن الموضوع ؟ هل سأضيف على ما هو قائم من صور وتعابير وتفسيرات ؟

وما جدوى ذلك ؟

وفرضا انني متصل ( بعالم الحقيقة الماورائية ) هل استطيع الافادة ، هل استطيع نقل الصورة للآخرين ؟

في الواقع لا يمكن نقل الصورة لأن الحقيقة التي اتحدث عنها ليس لها صورة ، ولو تحدثت عنها لتحولت الى تعبير ذهني وحسي ، وبالتالي نكون قد بقينا في عالمنا نتحدث عن اشياء من عالمنا باسم عالم الحقيقة ..

واذا كان الامر كذلك ما هو مبرر حديثي عن عالم الحقيقة ؟ كيف اثبت لكم انني لا اهلوس ولا اتحدث عن مجرد نظرية فلسفية حول عالم الحقيقة ؟

في الواقع ان طريقة تكوين المعارف في حياتنا البشرية ، تعتمد استخدام رموز واشارات وصور ، هي أشكال من اللغة ، لغة الفهم والشرح والتوصيل والتواصل ..

ايضًا عالمنا الحسي يتم التواصل معه بوسائط :

في نطاق الرمز الفكري والحسي نكوِّن كل معلوماتنا سواء المتعلقة بالعالم الحسي وبالعالم الآخر الماورائي ، العصي عن التحديد والتقييد والتعيين ، نحن عمليا نحوِّل عن طريق افكارنا كل ما ندرك ، الى ما يماثل مداركنا وافهامنا ، وقديمًا قال احد حكماء اليونان ، ان اهل تراقيا زرق العيون وفطس الانوف يصورون الله اشقر افطس مثلهم ، واهل النوبة والحبشة يصورن الله غليظ الشفاه اسود على مثالهم – قال – ولو كان للثيران عقول تفكر في الله لصورته ثورا كبيراً على مثالها ..

عمليًا نحن الذين نخلق الله على صورتنا الذهنية والعاطفية والغريزية ، وليس العكس ، اذ لا صورة لله ولا شكل ، ولو خلقنا الله على مثاله وصورته ( المفترضة) لكنا الاهيين مثله على الأقل لا ما نحن عليه .. اما العالم الحسي يتنوع ادراكه بصور مختلفة من شتى كائناته ..النسر والعث والخلد والحوت والعصفور والزهر والانسان ، كل يدرك العالم بصور مختلفة ..

امخاخنا او ادمغتنا ومنذ ملايين السنين تبني معارفها عن طريق الرموز المختلفة ، وعن طريق تبادل الرمز الكلامي نتفاهم ونتعاقل ، عليه لو جلستُ صامتا امامكم لما فُهِم من هذا الصمت شيء ، رغم ان الصمت هو لسان الحقيقة ، ليس القصد فقط صمت اللسان هنا، بل اساسًا صمت الفكر ، اذ ان صمت اللسان وحده لا يعني التوقف عن الثرثرة .. مع ذلك هناك ما يشبه (الكود) السري لكل منا لفتح باب الحقيقة التي تقف مباشرة وراء الفكر ، ويجب ان نجد ذلك الكود في كل ما نسمع نرى ونفكر ونقول ، انه مفتاح المعرفة بالحقيقة .. وشخصيًا وجدت الكود خلال بحثي في بضع كلمات ،عبر بها كمال جنبلاط بصورة مباشرة عن اعمق حقائق الوجود وابسطها في آن .. واستحال فهم تلك الجملة الى رؤية وتجربة وذوبان ، او توحد ، او اتصال ، فناء وما تشاء من تعابير وكلها لا يفي المعنى ..

في الواقع يمكن ان افيد من تجربتي هذه ، وهذا هو – ربما – مبرر وقوفي وحديثي عن الموضوع .. يمكن ان اساعد في ان تجد الكود الخاص بك من خلال الحوار والبحث والدرس والتأمل في النفس وفيما تتصل به ..

من يجد مفتاحه السري يدرك ان من يحتاج الى الخلاص والتحرير في الواقع هو الله ، الله المصلوب على حواسنا الخمس ، التي يتوسطها فكرنا .. فبينما نصلي لله كي يخلصنا ، هو الذي يحتاج الى التحرير والخلاص ، بالمعرفة والنية النقية والقصد السامي وبالكشف والتحقق ..

كميل فياض

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير

تعليق فيسبوك

تعليقك على الموضوع