لتكن حياتنا مشروع استنارة وتحقق ..كميل فياض
2015-06-30 17:28:30
لا يوجد تحدٍ اعمق مغزى واكثر معنى من البحث عن حقيقة الوجود وسر الوجود ..
النظر الدائم في الكون والحياة والطبيعة والنفس والعقل والروح والله والزمن .. النظر في تاريخ الحياة وتاريخ البشر .. ثم محاولة الذهاب بالفكر الى ما وراء ظواهر الوجود ، ثم الذهاب الى ما وراء الفكر والتفكير نفسه ، حيث يبدأ الواقع ، اذ نحن في نطاق الزمان والمكان ، نقبع في انعكاسات الواقع التي من اسباب خلقها الفكر والتفكير ، ولا نعيش الواقع نفسه .. والواقع نفسه هو المطلق .. المطلق خلف فكرة الله بالمفهوم التشخيصي الاسطوري الديني ، وهو ذاته العقل السامي والكلي كما عبرت عنه بعض الفلسفات التقليدية المثالية ..
تمثل للهندوس "بالبرهمان" ، وللوتسيين الصينيين " بالتاو او الطاو " وبالحضور .. هو مثال المثل عند افلاطون ، وهو الخير المحض عند افلوطين ،وهو المحرك الاول الذي لا يتحرك عند ارسطو ، هو الفكرة الجوهرية للتاريخ عند هيغل .. السر الاقرب الينا من حبل الوريد كتعبير القرآن ، واللامتناهي فيما يتعدى الحرف عند كمال جنبلاط الخ الخ ..
غير ان حفظ المعلومات وتردادها ، والقدرة العقلية الخلاقة لتفسير وتحليل النصوص التي تتحدث عن السر ، لا يعني المعرفة به .. وانشاء النظريات حول الوجود لا يعني اختراق حجبه .. بل هو دوران في افلاك جوهره الذي تهدف اليه الفكريات المختلفة ولا تمسه .. نعم ان البناء المعلوماتي والفكري الذي تقيمه حولك وتزينه بالنجاحات والشهادات والاوسمة ، جدار يحول دون كشفك لسر اعظم من كل ما تتخيل ، تبدو انجازاتك الى جانبه تافه جداً .. وفي الواقع ان علة عدم اكتراث طلاب العلم عمومًا بمسألة الاستنارة بحقيقة الوجود ، في انهم يرسمون لأنفسهم اهدافاً مسبقة ويسعون اليها في نطاق تحقيق شخصيتهم الظاهرة وفي نطاق تحصيل اغراضها ،فتكون الغاية خادمة للشخص ، وتبدو فكرة الاستنارة بالنسبة لهم مجرد تعبير عن تثقف ما ، بينما لا تتحقق الاستنارة بجوهر الوجود حين تعتبرها منذ البداية وسيلة (لقداستك) الشخصية او كغرض جانبي ، في حين هي غاية في حد ذاتها بل محور لحياتك يجب ان يفوق شخصيتك نفسها بالاهتمام والتوتر والتوجه والتفضيل والتقديس ، من هنا ارتبط الكشف عن حقيقة الوجود بالكشف عن حقيقة الانا وإشكالاته وتعقيداته الشخصانية السيكلوجية المختلفة ..
وهناك من يشك في وجود هذا السر ، وهناك من ينكر وجوده .. ولذلك لا يشغل هذا الصنف من الناس نفسه في التفكير في المطلق ، بل ذلك من قبيل تضييع الوقت فيما لا طائل تحته ..
وقد انهمك معظم الناس في شتى الاهتمامات والانشغالات ، في الفنون والرياضات ، في السياسة ، في السينما والمسرح والملاعب ، وفي حياة الترف والترفيه المختلفة ..
اؤلئك لم ينضجوا بعد تاريخيا ووجوديا ، لم يبلغوا سن الرشد ، واذ هم يُقصِرون النظر الى الاغراض والاشياء القريبة من حواسهم ويجدون حياتهم في الاكل والشرب والنوم وفي التفنن والتفلسف السطحي للعيش ، كالموضة ومتابعتها ، وآخر مستجدات المطبخ ، وانواع الاختراعات الجديدة من اجهزة اتصال وسيارات، ومقامرات وتربية كلاب ، هم اولاد لم يبرحوا سن المراهقة ..
في الواقع عدم مبالاة معظم الناس بسر وجودهم رغم معاناتهم اليومية منذ الولادة حتى الوفاة ، كعدم مبالاة الحيوانات والبهائم بالسماء ، فالبهائم لا تدري بوجود بلايين المجرات والكواكب والنجوم والشموس فوقها ، فهي لم تنظر الى السماء ابداً ، وهي جادة في الرعي ، ولو نظرت لن تفهم ولن تفكر في ما تراه .. فشغلها وشاغلها العشب الذي اعطته السماء للارض ، لكن السماء لا تعنيها ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير