نظرة في رعاية الاولاد الجزء ٢/١- بقلم: منير فرو
2015-07-20 13:37:36
قال تعالى في سورة التحريم : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"، وقال الرسول الامي العربي عليه اتم الصلوات واتم التسليم: " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته . الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته"، وقال صلى الله عليه وسلم ايضا: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
من هنا : فإن للأولاد على الآباء حقوقاً لابد أن يراعوها ، وهذه الحقوق كثيرة ومن أهم هذه الحقوق : حسن تربيتهم ورعايتهم في أخلاقهم وسلوكهم وأدائهم لأمور دينهم على الوجه الذي يرضي الله ، ومتابعتهم في أمور دنياهم بما يهيئ لهم المعيشة الصالحة الكريمة .وقد يقصر في هذا الحق كثير من الآباء ، فيجني نتيجة تقصيره ، وهو العقوق من أولاده والإساءة إليه ،وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص 229 ، 242) فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى : فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ؛ فأضاعوهم صغاراً ....... إلى أن قال : " وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده ، وفَوَّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة ... إلى أن قال رحمه الله : وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء"، وينبغي أن يعلم أن تقصير الأب والأم في تربية ولده لا يعني أن يقصر الولد في حقوق الوالدين ، ويسيء إليهما ، بل عليه أن يحسن إليهما ، ويعفو عن إساءتهما نحوه ، قال الله تعالى : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا".
ما من شك ان الشباب هم جيل المستقبل، وهم نواة المجتمع وحجر زاويته فاذا حجر الزواية استقام البناء كذلك الاعتناء في رعاية الاولاد وتربيتهم الصالحة منذ النشأة سينتج مجتمعا افضل كما قال نبي الله سليمان بن داوود عليهما السلام : " ربي ابنك صغيرا تفرح به كبيرا " فما بالنا بمجتمع ؟ ففرحتنا سوف تكون اعظم، فلا ينبغي اهمال هذا الحجر،وهم من سيخلف الكبار ويتولون مكانهم، وسيكونون راس هرم المجتمع، ويتولون رعايته، وعليه يجب على الكبار ان يهتموا في توجيه الصغار ليكونوا قادرين على حمل المسؤولية في المستقبل. ومن اجل حفاظ الشباب يجب تقديم الرعاية لهم منذ النشأة، وحتى قبل الزواج، لان من شروط الزواج الالهية انه على الزوج اختيار الزوجة الصالحة لتنشئة الاولاد تنشئة صالحة دين ودنيا، لان الزوجة الصالحة مثلها مثل الارض الزكية التي تنتج نباتا جيدا، والزوجة الطالحة مثلها مثل الارض السبخة لا تنتج إلا نباتات مهلكة للمزروعات، وبعد اختيار الزوجة الصالحة وإنجاب الاولاد، يجب الاعتناء بتربيتهم تربية دينية صالحة ليكونوا تربة قابلة لإنتاج الثمار الطيبة دين ودنيا، لان الولد في مراحله الاولى يكون كالصفحة البيضاء قابلة لكل نقش، فإذا تربى في اول حياته على الخير والفضيلة عاش كل عمره عليه، وفرح به اهله ومجتمعه، وبالعكس، اذا اهمل وتربى على الرذيلة، كان اذية لأهله ومجتمعه، ومجلبة للتعاسة.
ان المسؤولية الاولى في تربية الولد هما الوالدين لأنهما السبب في مجيئه الى هذا العالم بعد ارادة الله، وعليهما التقيد بكل اوامر الله ونواهيه، والعمل على العناية به صحيا وغذائيا من المال الحلال، وحب الله الخالق جل وعلا وانبياه، وتعويد لسانه على ذكر الله بداية، وحمده على نعمائه نهاية، وشكر رسله واصحابهم سلام الله عليهم الواسطة لهداية الخلق، وتعريفهم المنعم جل وعلا، وعلى الاهل ان يعرفوا ان الاولاد امانة في اعناقهم، وانهم يوم القيامة مطالبون على تقصيرهم في تربية ابناءهم، وانهم شركاء في كل ما اقترفه الابناء من السيئات، التي هي ثمرة ذلك التقصير، وان الله اراد بحكمته استمرار الحياة على الكون الكائن بالتناسل، كل عن طريقته، والجمادات بتغيير المناخ ودوران الافلاك، ولكن غاية الله من هذا الكون البديع الفريد المحكم الاتقان والصنعة، والدال على عظمة الله الصانع القادر، هو العنصر البشري، من اجل طاعته تعالى وعبادته وتوحيده، وقد خصه الله بأجل وأجمل صورة من بين الكائنات، وخصه بالروح والعقل والتدبر، وهيئه للعلوم وتعلم الصنائع دون سائر المخلوقات، والتي من حكمة الله القادر الخبير جعلها مجبولة بالفطرة منذ الولادة لا تحتاج الى تعليم كالانسان، ولكون الانسان مراد الله من هذا الخلق الكوني، جعل له سنن وقوانين ومتاعا وارزاقا، وجعل له مادة وعلوما ومعلمين، واهل يرعونه الى سن الرشد، لذلك الحجر الاساس للكائن البشري هو سنينه الاوائل، اذا استوفت الشروط تغذية جسدية وروحية كان التوفيق حليف الانسان، فهناك رعاية للذكر والانثى من الوالدين، وعلى الام اكثر، لان الولد دائما يكون ملازما اكثر اوقاته لامه، وعلى الام ان تزرع في قلب الولد هيبة الاب، فيخاف ان يعصي اباه، وهذه يثمر عند بلوغ الولد مخافة الله، والخوف من عصيانه، وهذا يكون له رادع عند الكبر، وصقل لشخصيته، واخذ الحيطة والحذر، حتى يستقيم، يتبع في العدد القادم
نظرة في رعاية الاولاد الجزء ٢/٢...
منير فرو
ان التربية الصالحة للولد كمثل الاعتناء بالأرض قبل زراعتها وفلاحتها تنقيتها من الاحجار والشوائب، وحراثتها لتكون قابلة لكل بذار،وعلى الاهل تجنيب اولادهم كل ما يفسد اخلاقهم،ويشوش عقولهم وافكارهم، فيجنبون اولادهم قصص واشعار الغرام والعشق والهوى بالصورة الجسدية الفانية كاغرام الرجال بالنساء والنساء بالرجال، لانه يميل بهم الى احبال الشيطان حتى يسيطر على عقولهم، فيميلون الى الراحة والاباحة وعدم طاعة الاهل، وبالتالي التمرد عليهم، ويقعون بالزنا التي حذر الله منه ووعد بالعذاب الاليم، بقوله تعالى : " ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيل"، فقد نهى الله تعالى عباده عن الزنا وعن مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ) أي ذنبا عظيما ( وساء سبيلا ) أي وبئس طريقا ومسلكا، لانه يهدم كل ما اراده الله للبشرية من خير وصلاح واصلاح، فتتهدم اسس الاسرة وتنفسد الانساب والابوة والامومة، ولا يعود هناك قدسية لرابط الزواج ولا اخلاص بين اثنين، والله اراد من الانسان ان يتشبه به جل جلاله بالشرف والعفة، والشهوة هي نقيض الشرف والعفة، فبتعاطي الشهوة يصير الانسان في درجة البهائم بل اضل سبيلا، لان البهائم خلقها الله شهوة موسمية بلا عقل، وخلق الانسان شهوة دائمة ولكن مع عقل ليقهر الشهوة، فاذا غلبت شهوته عقله صار ادنى من طبقة البهائم، الذي هو الحيوان، بل يعُوَد الطفل على حب الذات الالهية المقدسة، ذات الجمال الابدي الباقي، الذي كل ما في الوجود من جمال هو من هذه الذات المقدسة، التي قال تعالى عنها في القران: " ليس كمثله شيء"، ويٌشغل الولد بمطالعة قصص الصالحين والانبياء، وحب الارض والوطن والشعر الحماسي، ويٌجنَب الولد من اللعب مع البنات، وكذلك البنت، ليقوى عندهم طبع الخجل، ويعظمون عندهم الكبائر، القتل، الزنا، الكذب، السرقة والغش، وتناول الحرام، والمواد المزيلة للعقل والصحة، كالخمر والسموم والمخدرات على اصناف اشكالها، والتبغ، ويُعوَد الولد على اللبس المحتشم وخاصة البنت تلزم اللبس الساتر لغالبية جسدها منذ الصغر، وتُمنَع التشبه بلبس الاولاد الذكور حتى لا تشعر بانها ولد، فتفقد انوثتها المميزة لها، وايضا يُعوَد الاولاد الخشن من الماكل والملبس والمسكن، لا الرفاهية والزينة، فيقضون عمرهم في طلبها، ويُعوَد الاولاد الصبر والاحتمال والرضى، ويُمنَع من العنف والغضب ليتعود على الهدوء والاناة وطولة البال والروح.
وايضا على اهل تعليم ابنائهم احترام الاخرين والاجانب، ومن هم اكبر منهم سنا، وتقديم لهم الخدمة والمساعدة، والقيام لهم في المناسبات العامة والخاصة، وعند السفر بالمواصلات ووسائل النقل، وأيضا تنبيههم من الاساءة الى الاخرين وتعاطي العنف، وعلى الاهل تعليم الحياة المدنية التي تتلائم مع روح العصر دون الخروج عن الدين، وذلك بعد زرع القيم الدينية والاخلاقية في قلوب الاولاد، فتعليم الاولاد صنائع ليعتاشوا من كد يمينهم، وعرق جبينهم، والاكتفاء دون حاجة الغير، وعلى الاهل تعليم اولادهم العطا لا الاخذ وهذا من اجل زرع المروءة والكرم والشجاعة في النفس ، وعلى الاهل ان لا يُكرهوا الاولاد على التعليم بل يعطوهم فرصة للعب لئلا يكرهوا العلم والتعليم ويفحموا عن طلبه، وعلى الاهل القيام بمراقبة اولادهم والاطلاع على افعالهم وحركاتهم، في ايابهم وذهابهم، ويمدحونهم على الفعل الجميل، ويقبحون لديهم الفعل القبيح حتى لا يعاودون فعله، وعلى الاهل ان لا يعجلون على هتك ستر اولادهم اذا أخطأوا، بل يتعاملون معهم بالسترة دون العتاب المتواصل والتشهير لئلا يهون على الابناء سماع الملامة والتوبيخ، ويسقط وقع الكلام من قلوب الاولاد، ويهون عليهم تكرار فعل القبائح، ولا يُعود الاهل الاولاد حب المال والزينة والعطور والمقنيات، فيقضون حياتهم في طلبهم، ويكبر عندهم الطمع الحسد، ولا يُعوَد الولد الدعة والراحة والكسل، فان الفراغ مرتع للشيطان، وباب للهوى، ومفسدة للاخلاق، لان النفس تنجذب الى ما هو اسهل وهو الشهوات البهيمية الحسية، وايضا الكسل يضر بالجسد فتصرعه الامراض، ويُعلَم الولد اداب السلوك في المنزل وخارجه، فهناك ادب الكلام، وادب الطعام، وادب الجلوس، وادب السماع، وادب الحركة، وادب العمل، وادب المشي في الشارع، وادب اللعب.
فباختصار الولد امانة عند والديه، وقلبه جوهره نفيسة، قابلة لكل نقش، فاذا تربى على الخير ونشا عليه سعد في الدنيا والاخرة، وكان اهله شركاؤه في الخير يوم العرض والحساب، وبالعكس اذا نشا على الاهمال من الاهل بدون تأديب ولا تعليم ولا توجيه، تعس وشقي في الدنيا قبل الاخرة، وكان اهله شركاه، وكم نحن في زماننا هذا بحاجة ماسة الى الحث على الارشاد لابنائنا لصعوبة الزمان، وتسهيل طرق الانزلاق والمهاوي بسبب العولمة وتكنولوجيتها، وافكار العلمانية الهدامة، والراسمالية الجشعة، التي افسدت الارض،وهدمت الانسان وانسانيته واخلاقه وروحانيته بنشرها الحريات المعسولة التي هدفها نشر الكفر بالمنعم، والتمادي في عصيانه، مما جلب ويجلب الدمار للمجتمع الانسان الذي خلقه الله تعالى مؤمنا به بالفطرة فكيف يكون هذا المخلوق بعد نزع فطرة الايمان المجبول عليها وذلك بايدي الانسان؟
ان الشباب هم اللقمة السائغة، والضحية الاولى لخداعهم من قبل العولمة والعلمانية والمادية الرأسمالية الجشعة والجلفة، وهم الغر الاحداث، التي بهرت عيونهم بسحرها الفتان، وانشبت في نفوسهم نيران حب الدنيا وشهواتها، فاستحوذت على عقولهم كفعل الشيطان الرجيم، حتى انسوا الشباب ذكر الله، فغمسوهم بالشهوات المفسدات، والمقنيات الخداعات من الكترونيات، والبسة وديكوارت، وزينت لهم حب الشهوات، اقتداء بابليس ومهاويه،وبات عالمنا على شفا جرف الهاوية واندثار البشرية، وانهيار العنصر البشري، الا اذا زعزعت السماء ابوابها، وانزل الله جنده ليملاؤا الارض عدلا واصلاحا بعد ان ملأها ابليس وجنده ظلما وفسادا، فتيقظوا قبل الهلاك، واستشعروا صيحة الاملاك، وكونوا على هبة من امركم، وصونوا الاهل والامانة، واعتنوا بابنائكم قبل يوم القيامة، وحلول الندامة، كما قال تعالى: " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر وكان الشيطان للانسان خذولا".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير