بتمسكن تيتمكّن!!! بقلم: د.نجيب صعب ابو سنان
2015-08-19 19:56:12
الظواهر الاجتماعية تجتاح المجتمع بمختلف أقسامه ، فئاته، تركيباته السكانية، هذه الظواهر تشمل معظم نواحي الحياة اليومية منها إيجابية وبورك لمن يتبعها واخرى سلبية يمقتها الناس مفرداً وجمعاً.
النواحي الايجابية هي تلك التي يتصف أصحابها بالايجابيات ، بالاخلاق الحسنة وبالسمات الانسانية الطيبة، هذه الظواهر تنطوي فيما تحويه على نظام ونهج غير مكتوب بل هو متبع بإتفاق جماعي، يترجم على أرض الواقع بالتصرفات والاعمال اليومية التي يقوم بها هذا الانسان أو ذاك، وقد يكون في هذا المضمار انساناً إتبع هذه الظواهر وأتقن تنفيذها في بيته، أسرته، محيطه وربما أنتشرت في المجتمع القريب ومنه الى البعيد، ويستمر هذا المرء بأتباع نهج الظاهره الاجتماعية فيعرف بعد فترة زمنية أنه انسان أمين، صادق ومخلص، في ما يعمل وفي ما يتصرف، يحترم الآخرين، يكنّ التقدير والاحترام لمن أرشدوه، راقبوه وشجعوه في إتخاذ هذا الطريق أو غيره نهجاً في حياته وأنماط معيشته، فعندما يثني عليه الاقرباء وكذلك يحترمه الآخرون وتتعزز ثقتهم به ويحترمونه في كل ما يتصرف، ذلك من باب الايمان بصدق عزيمته وبأمانته ولعدم خيانته للذين منحوه الثقة، هذا النفر من الناس الذي أثبت جدارته وأستحقاقه بالثقة تتعزز مكانته بين أقرانه وبين كل من يتعامل معه.
ومن ناحية أخرى ترى أناساً آخرين ، أناسٌ من نوع يغاير النوع الذي اسلفنا الحديث عنه، تراه يدخل في إطار معين يتقرّب، يتودد، ويظهر إخلاصه وو... وسرعان ما ينكشف على حقيقته، تمسكن وكان مطيعاً خلوقاً على حد تعريفه، وأبدى كل الامانة والاخلاص والولاء والتعامل الصحيح، الا انه قام بكل هذا من باب التّمسكُن كي يظفر بكل الاعمال وبعدها يقوم بما ينوي القيام به بناءً على ما كان يخبؤه من نوايا حيث تظهر هذه النوايا جليةً في تصرفاته في مكان عمله ومع ذويه ومع أصدقائه. وتراه قد ينكر كل صلة في تصرّفاته مع الذين تعامل معهم أو تعلّم منهم.... الى ان اوصلوه الى ما هو عليه ويصرّ في الافكار ويعزي كلما هو فيه لنفسه، حيث ينطبق هنا قول الشاعر :
أعلمه الرماية كل يوم ولما أشتد ساعده رماني
وامر يعرفه الكثيرون وقد يلاحظونه يومياً في أُطر العمل والتعامل المتنوعة ، يمكن مراقبة ذلك عن قرب، يأتيك إنسان طالباً منك العمل كموظف عادي ويلحُ أكثر من مرة ليُقبل في العمل وبعد أتخاذ الاجراءات والخطوات التي تسبق دخوله الى العمل يقبل المرء تحت التجربة ويبدأ بالتدريج بتنفيذ ما يطلب منه، وخلال ذلك يأخذ بأتقان العمل وتأديته على أتم وجه، ويحظى عندها بدعم وتشجيع المسوؤلين عنه، ويستميلهم أيضاً وقد يكون صادقاً كل الصدق ولا غاية عنده او هدف لترك مكان العمل هذا فيتقدّم في سلم التدريج ويعلو في المكانة، وقد يتمركز في العمل ويحظي بثقة غالية وتراه بعد التجربة اهلاً لهذه الثقة وقد يصبح أحد المسوؤلين في هذه الورشة او في مكان العمل ويستمر هكذا الى ان يحقق المزيد من التقدّم، وقد يصبح شريكاً في كثير من الاحيان في العمل، ذلك لما ابداه من إخلاص وانجاز ومثابرة وامانة، ففي مثل هذه الظروف مثلاً يستحق هذا المرء الثناء والمكافأة. وأقول هنا بورك في مثل هذه الرجال لأنه يعتبر من الرجال الموضوعيين. وفي نفس المكان ونفس المهمة ونفس العمل تقريباً قد نرى رجالاً آخرين إلا أنهم سرعان ما ينكشفون على حقيقتهم وتبرز خيانتهم وتمسكنهم في اللحظة التي يتخذون خطوات سلبية من باب مسوؤليتهم، وقد تراهم يتآمرون بأشكال مختلفة على مكان عملهم رغم علو مكانتهم، وقد تحدث امور لا مكان لها في مكان العمل من الخيانة او السرقة او تهريب بعض الامور... من التصرفات غير المقبولة والمرفوضة رفضاً قاطعاً، إذ لا مكان لها في خارطة التصرف والولاء والاخلاص المتبعة في مكان واطار عملهم، وما من شك ان تمسكنهم ادى الى تمكُّنهم وربما التّسلّط على فعالية وزمام الامور في اطار العمل، هذا الامر الذي يقودهم نهائياً الى السيطرة على كل الامور، وقد يطردون وبطريقة قانونية أرباب هذا العمل ويتولون زمام الامور وكأنهم الاولياء الشرعيين لهذا العمل او المصلحة او المصنع او الورشة التي نموا وترعرعوا فيها وعلى حسابها، والتمسكن حتى التمكّن يبرز ايضاً في الاطر السياسية الفاعلة بين ظهرانينا، ليس فقط على الصعيد الاقليمي بل على الصعيد القطري ايضاً. وفي كثير من الاحزاب الفاعلة على اختلافها، فقد نلاحظ وعن قرب كيف ينشأ انسان لدى المسوؤلين عنه، والذين تعبوا عليه وتراه ملاكاً في الطاعة والولاء ظاهراً، وباطناً يكن كل الكيد ومحاولة انتهاز الفرصة للغدر والخيانة وعدم الوفاء، تراه ينقلب في تصرفاته ويعلن عن استقلاليته نافياً بذلك كل النظم التي قد تعلمها من ذويه واربابه، ضارباً عرض الحائط الثقة والامانة التي كان اسياده قد منحوه اياها ويدّعي بذلك ان الوضع الآن مواتياً متناسياً ما قد تربى عليه، متناسياً ما قد اولوه اصدقاءه ورفاقه من ثقة، وتراه يعربد ويصول ويجول كأنه وحيد عصره، متنكراً الى الاتفاقيات وناكراً كل الجميل مسنداً كل ما هو فيه لذكائه ولقوته ولبراعته متناسياً انه اتخذ خطوة غير انسانية وتنكر واستزعم على حد تعبيره.
الا انه يترتب على المرء الا ينسى او يتناسى ان الامور ليست هكذا، فالحقيقة لا يمكن ان تستحي او تختفي ولا يمكن تغطية نور الشمس بالعباءة والمجتمع ليس غبياً، ففيه الكثيرون من الذين يدركون ويقدرون الناس كما هم ليس اكثر، فالغباء مستمر في نفسه ويخيّم عليه في كل ما يعمل ويفعل.
والافضل لنا كأبناء آدم ان نتخذ في حياتنا وخاصةً في تعاملنا في مثل الظروف التي ذكرت انفاً ان نكون صادقين مع انفسنا اولاً ، فإذا افلحنا بذلك، ما من ريب اننا نكون في الطريق الصحيح ويمكننا عندها ان نعطي ونقدم مثالاً جيداً للجمهور في الامانة والاخلاص والولاء والصدق والنهج الصحيح والقويم.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير