طريقتين للخلاص- كميل فياض
2015-09-02 14:55:42
 طريقتين للخلاص
 
حقنة مباشرة للوريد ، او قراءة رواية مخففة للألم اثناء الموت ..
هذا هو عمليًا الفرق بين الانخراط  في العمق من ماهية الحياة ،اي في مواجهة المعاناة الحياتية في الجوهر والأساس ، وبين التعاطي مع الظاهر من فلسفة وادب وفن ومعتقدات وسحر  وطقوس الخ .. 
 هو الفرق بين التعامل مع الحقيقة  تحت اضواء شتى بألوان شتى ، او في ضوء الشمس .. هو الفرق بين العلاج المباشر الجدي وبين اللف والدوران الفارغ .. 
ان التعاطي مع الوجود ومع حقائق الوجود لازال لدى الناس ، عقائديًا وسياسيًا وادبيًا وسحريًا ، ولذلك يفضلون سماع واعظ  او راوية او قاص او مغنٍ ،عند الولادة واثناء العمر و قبيل مفارقة العالم - ولا اقول مفارقة الحياة  إخلاصًا للحقيقة – فالحياة لا تبدأ مع الولادة الجسدية ولا تنتهي بنهاية الوجود الجسدي ..  
وقديمًا قال الحكيم فسيزتا : من لا يجد الذهب يقتني النحاس ، ومن لا يجد الحرير يلبس الخيش .. بمعنى من لا يجد المعرفة بحقيقة الوجود ، يتجه نحو التهريج الفكري .. وفي الواقع كثيرون  تسنموا الدرجات العالية في العلوم والفنون والآداب والمعتقدات ، غير انهم لا يعرفون اين الله واضعهم ، وهم في كامل الثقة والاعتزاز بما يعرفون داخل اختصاصاتهم وداخل نماذجهم وداخل قوالبهم وفضاءاتهم المغلقة ، وينقصهم الكثير من الشك والشوق لمعرفة (الكود السري) لفتح مغاليقهم على انفسهم وعلى ما فيها من اسرار ، هي اعظم واكبر بما لا يقاس مما عرفوه واحتكروه وعلقوه ..
وربما هذا يقتضي التخلي عن الكثير من الالعاب العلمية والاجتماعية التي احاطوا بها انفسهم .. وفي النهاية لا بد من ان نُضِع انفسنا كي نجدها ، لا ان نُضع وقتنا وطاقاتنا الفذة او ان نستنفد معظمها في العَرَض الزائل وفي المُنجَز الزمني ..  وليس إضاعة النفس هو تسليم كل شيء للحرف الديني ، الذي يشبه سير الاعمى وراء مبصر او وراء اعمى مثله ، بل هو تحرير الوعي من مقتنياته العلمية ومن ملكيته الرومنطقية التي تكبله بصورة الشخص وبالمكان والزمان وبالمكانة فيهما  ، اذ ان جوهر النفس هو غير محدود ولا ينحصر في مقتنيات ومنجزات وفي شخص .. وليس تضييع النفس في هذا المقام سوى تخلي الوعي عن بهارجه وزخارفه الخارجية وتحرره من قيود الشخصية الظاهرية ، هو خروجه من الحُجُب الحسية والذهنية الى نور الحقيقة ..
   ولا اعني قط الاستهتار بالمجهودات العلمية الشخصية هنا وهناك ، بل اقصد الى ضرورة اعطاء روح الوجود ومعنى الوجود فينا حقه الجوهري ، ويمكن المساوقة والسجم  والجدل بين هموم الظاهر وهمّ الحقيقة الورائية  ، وهذا في الواقع لا يمكن ولا يصح الا بعد الكشف عن الحقيقة  لا قبل ذلك  " فاعرف الثمرة قبل غرس الشجرة " ولعل كمال جنبلاط من ابرز من جمع من مشاهير عصره بين مسلك الحكمة والعرفان ، وبين العمل السياسي والاجتماعي خلال حياة اليوم يوم ، وهو بذلك جَسَّدَ بصورة براغماتية واضحة بين "المثال المفارق والواقع الملموس" كالملك جناكا الهندوسي الذي استنار عن طريق معلم مرشد وهو على العرش ، فتابع (لعبة الملك) وهو متحرر في باطن سره ..
ومعظم الناس يظنون ان لا مجال للتحرر من مخلفات ومؤثرات وسلبيات المجتمع إلا باعتزاله كلياً في زاوية مُعتمة وبالانقطاع عن كل  ملك  وكلام في صومعة نائية ، وهم بهذا الفهم يَصدُرون عن فكر خَلَطَ  بين الذات والجسد ، ولذلك ينسبون افعال الطبيعة من اكل وشرب وصوت ونوم وجنس الى الذات خطئاً ، هو فهم حسي سطحي قمعي  لجوهر الدين ولجوهر الوجود .. كما ان هناك من يخلط بين المعرفة بقواعد اللغة وبين المعرفة بحقائق الوجود ، او بين كثرة المعلومات والارقام والتواريخ وبين الرؤية العميقة للحياة .. ويصب قلق الكثرة على كيف يظهرون لا على كيف يكونون فعلاً ، واذ لا يتحقق الشعور بالراحة إلا عبر رضى الغير واقراره بنا هكذا نكون سجناء الرأي العام ، و رهن "النورمة" الاجتماعية او الموضة ، وتحت مزاج ابو روني  وابو بطيخ ..   
    
كميل فياض
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق