سقوط الروح في عالم المتناقضات ..كميل فياض
2015-09-17 12:51:01
 اولا  لنستوضح  اللفظ (روح) ما هو الروح ..؟
طبعًا لا يمكن الاجابة عن هذا السؤال من حيث عدم دخول الروح في  كلمات وفي معقوليات ، ومن هنا يَرِد خطأ فهم هذا المصطلح ( روح)  فيقول الناس : مات فلان وطلعت روحه منه ، باعتبار ان الانسان  كذات هو الجسد ، بينما في الحقيقة هو الذي طلع من جسده فهو الروح كذات وليس الجسد ، ولذلك يقول اليوغيون عن انسان توفى : ترك جسده ولا يقولون مات او تركته الروح .. وبسبب فهم الناس عموما للروح كشيء هلامي سماوى مستقل عن وعيهم ، بينما هو أساس الوعي وذات الوعي  ، فان مفاهيمهم في الحياة وتوجهاتهم ومسالكهم وقيمهم ، جسمانية حتى الدينية منها ، فيشرطون التدين بالمظاهر الحسية .. وما اللباس الديني والطقوس الا مظاهر رمزية للروح وللنشاط الروحي .. وقد ذهب هيغل والماركسيين من بعده في اعتبار  النشاط  الثقافي والادبي والفني والسياسي والحضاري تجليات روحية ونشاطات روحية ، ولم يحصروا معنى الروحية فيما هو ديني  ، باعتبار الدين خلق بشري وابتداع بشري كسائر النشاطات المعنوية ..ونحن نذهب ابعد من ذلك ونرى ان الحياة بكل ما فيها  مظهر لوجود الله ولا يوجد سواه .. لكن ليس هذا موضوعنا هنا الآن كي لا اتابع  في هذا الاتجاه ، بل تسليط الضوء على تورط الروح ، الذي هو ليس ابتداع بشري ، بل كائن ازلي لا بداية لوجوده ولا نهاية ، ومن هنا اهمية معرفته والاهتمام به ..
 
***
 
اذن الروح في ورطة في هذا الجسد ، وفي هذا العالم .. وعملية الاكتشاف لذلك هو التطور وهو التاريخ الحقيقي وهو العلم الحقيقي ، والعمل على التخلص من هذا التورط هو الحكمة وهو الخير وهو الحق .. لمجرد اننا عالقون في التعلق بنقائض وفي عشق نقائض لا تلتقي ، هو مكوث في جحيم وفي تمزق ، ولا ضرورة لعقاب اشد للوعي وللشعور من ذلك ..
ما هي المتناقضات التي ابتلي الروح (الاخرس) بها .. او ما هي الاضداد - لمن يرى هذا المصطلح – من حيث امكانية العيش مع اضداد عكس المتناقضات .. وما الاضداد سوى الصحة والمرض واللذة والألم والعفة والشهوة والأمن والخوف والرضى والسخط والبرد والحر والجوع والشبع الخ الخ ..
هل ستقل لي يتغلب الانسان على بعض من انكشافه لبعض اضداده ، فيُشغِّل (الكندشن) عند الحر او البرد ويأخذ الدواء عند المرض ويملأ المعدة بطعام صحي عند الجوع  ههههههههههههههه ..اضحكتني .. لا اننا خانعون لأحزاننا ولضعفنا امام شهواتنا ونموت خوفاً من الموت .. نموت قبل الموت متحسرين على ما فاتنا من تناقضاتنا (اللذيذة والمحترمة) والتي سبق واذاقتنا ما هو شر من الموت ..
الروح  في ورطة اشد مما يتصور اي فيلسوف واي عالِم واي شيخ  في هذا الزمن الغارق في الاكتشافات وفي الاختراعات .. ولا عليك لتدرك بعض ذلك الا ان  تلتزم مقعداً في جانب من هذا النهر العرمرم الذي اسمه حياة ، وتتأمل صور نفسك وصور الآخرين فيه .. ستشاهد مسرحية خليط من ادوار وافعال وازياء  ، يمتزج الرقص بالذبح بالضحك بالبكاء ، بالعسل بالسم بالنار بالجليد بالشوك بالحرير ، بالعباءات الملكية المذهبة بخرق المزابل الخ .. 
وسوف تنتقل مع مشهد الى مشهد ومن فصل الى فصل ، ولن ترى بداية ولا نهاية لهذه المسرحية ، التي لا يمكن ان تنحصر تحت عنوان  او صفة سوى جحيم متناقضات واضداد ..
يمر بك الناس كل وحاسوبه وكل وبرامج حاسوبه ،وترى كم هم منسجمين ، الى درجة انك لا تعد تميِّز من يدير الآخر ومن يبرمج الآخر ! 
اذا كنت متخلف عنهم في هذه الطاعة  وفي هذا الانصداع للرب حاسوب  ،  اذا كنت ممن انعم عليهم الحظ من  بعض نعمه ، وتخلفت عن الركب ولم تكن ملتصقاً بحاسوب ، سيداخلك شك احياناً اذا ما كنت متخلف فعلاً او اهبل بين عقلاء  ، او العكس ..
ومن ابرز صفات هذا الوقت ، المزاجية : 
 يمر بك قريبك او صديقك او جارك او حبيبك او عارفك ، فتظهر لك منه احوال عجيبة غريبة .. انت لا تعرف ان كان هو الشخص نفسه الذي مر عليك البارحة او الاسبوع الماضي او قبل عامين .. ويمكن ان يطرح سلامه مع ابتسامة عريضة صافية كما لو كان قديسًا ، وبعد فترة يمر فيطرح سلامه او يبحلق فيك  بدون كلام ولا سلام .. ولا تدري بما يدور في  فكره ، أهو يشتمك ويسبك ام يسخر منك  ، وكأنك انت السبب  في رفض البنك ان يعطيه ما احتاج من مال يومها ، او السبب في  خلافه مع زوجته ، او لأن الطعام في تلك المناسبة السعيدة كان على غير مذاقه وتوقعه ..
مقام المشاهدة : 
مقام المشاهِد في هذا العالم هو  مقام الفلاسفة الاغريق امثال سقراط وذيوجانس الكلبيين ، وهو ذاته مقام الصوفية العرفاء ومقام حكماء الشرق ،باعتبار ان هذا المقام هو الارقى والاكثر حكمة  وجدوى ، كموقف واعٍ  من الموجودات ومن طبائع الموجودات .. والشاهد فينا جميعًا على كل شيء ، هو ذلك الرقيب العتيد الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة لا في الارض ولا في السماء ، فاختر موقف هؤلاء قدر المستطاع لتدرك كم انت غارق في وحول هذا العالم وفي اوهامه وتناقضاته  .. انظر بسكونية و"نترالية" الى نفسك والى جسدك .. تأمل كيف تبرز مختلف الافكار والهواجس وتذوي .. كيف تظهر رغبات  الأكل والشرب والجنس داخل الوعي ، كأفكار وهواجس وصور ، لا تكترث بها لا تلاحقها في الفراغ ، دعها تمر وتسقط  في الوعي ، كما الفراش في النار ، ودون تحسر  ..  اذا تعودت على هذا الموقف على الأقل عشر سنوات تكون قد بدأت رحلة الإياب الى الوطن الأم الحقيقي ..
 
كميل فياض
 
 
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق