في سبيل التنوير . كميل فياض
2015-12-07 10:05:08
قبل ان تحدثني عن التقدم والتقدمية وعن الحرية والديمقراطية ، قبل ان تحدثني عن التاريخ وعن الشعر وعن الله  والدين والنبي والكتابات المقدسة وعن الاخلاق والقيم ، قل لي من انت ..؟  انت لا تجيب ولا تستطيع الإجابة ، اذن انكب على نفسك ولا ترجع منها الا وقد كسرت ما بينك وبينها من جسور زائفة ، ومزقت ما بينك وبينها من وشائج وهمية كاذبة ، ثم تعال حدثني عما تشاء .. 
**
من النقاط التي يأخذها علماء الدين كابن تيمية ومن سار في طريقه ، على التصوف الحر وفكرة وحدة الوجود  ، أولاً اعتبار وحدة الوجود " تصوف فلسفي" ووحدة الوجود تعني ان الله هو عين وجود العالم ،وبهذا يكون الصوفي فوق النبي ، اذ ان الصوفي يرى ذاته واحداً مع الله وعلاقته به علاقة مشاهدة اي علاقة مباشرة ، بينما يقوم بين النبي وبين الله وسيط او اكثر من خلاله يتم الاتصال به وبقرار من الله في اي زمان واي مكان .. طبعًا  يختلف مفهوم الله الديني عن مفهوم الله الصوفي .. ان وحدة الوجود تلغي حرية الانسان في نظر علماء الدين ، اذ هي بطبيعتها تلغي التكليف الموجَب على الانسان باعتباره مسؤول والمسؤول يجب ان يكون حراً ..
 وهنا اقول: اولاً لنسأل ما هي علاقتنا بأنفسنا بدءاً ؟ اذا كنا نأخذ علمنا بأنفسنا من خارج أنفسنا – بغض الطرف عن اعتبارية المرجع والمصدر -  فعلاقتنا بأنفسنا علاقة تحتلها وسائط ، فلا ندركها مباشرة انما بما يمدنا به الوسيط من معلومات ، فهي علاقة اعتقادية ظنية او ايمانية لا يقين فيها ، فاليقين بطبيعته ذاتي ولا يُعطى ولا يورَّث ، وبالتالي كل معرفة نكتسبها عن اي شيء  هي غير يقينية أيضًا بالضرورة السابقة ، وهذا هو الفرق بين مقام العارف والمتصوف الحر ، وبين مقام المؤمن الاعتقادي من اي مذهب كان ولأي دين انتسب ..  فعلاقة العارف بنفسه حيَّة مباشرة ولذلك هي يقينية وتباعًا علاقته بالعالم ، اذ ان طبيعة علاقتنا بأنفسنا تقرر طبيعة علاقتنا بالعالم وليس العكس – وللمثال : ألمريض لا يجد لذة في الطعام ولو كان امامه افخر الطعام  ، بينما الصحيح يستمرئ الطعام العادي .. فالذات هو الذي يقرر علاقته بالموضوع  حسب المقام او الحال الذي يكون فيه .. وبما ان جوهر الوجود كما يراه العارف هو حرية مطلقة ، فهو لا يلغي الحرية النسبية بها ، وبالتالي لا يلغي التكليف والمسؤولية عن نفسه  ، الا ان التكليف يختلف باختلاف المفهوم وهو في عالم النسبة .. 
اما اعتبار العارف فوق النبي فلما لا طالما ان المعرفة بالنبي وبكيفية تعريفه رهن علاقة لا يقينية ،  فالنبي هو الذي يخبرنا من نكون لا اليقين المباشر بأنفسنا .. النصوص المقدسة   هي التي تشكل جوهر المؤمن وماهيته ، لكن بما ان هناك نصوص مقدسة في معتقدات شتى لدى أقوام شتى ذات تفسيرات شتى ، سيكون بالضرورة اختلافات وخلافات شتى يترجمها هؤلاء العميان ، في التكفير والحروب وفي النزاعات المذهبية ، بينما لا يقدم العرفاء الذين نجدهم في أوساط جميع المذاهب ، سوى الحب والخير والجمال والتسامح ، ولدينا نماذج تاريخية وواقعية ، ورغم هذا وربما بسبب تميز هؤلاء عن الجميع اضُطهدوا وسجنوا وذبحوا على يد اتباع الانبياء والرسل الكرام ..  
 
 إشكالية النبوة : ان الصعوبة الى - حد الاستحالة بالنسبة للكثرة المؤمنة - في فهم إشكالية النبوة وحلها ،باعتبارها احدا اشد مصادر الانفصام الروحي في ثنائية - غيب واقع –  يعود الى طريقة التفكير التي تسيطر على عقول المؤمنين الاعتقاديين الماورائيين، وهي تكمن في مجرد التسليم والثقة المطلقة بمرجع ( يقيني) خارجي من خارج النفس .. والمراقب يلاحظ التناقضات في علاقة المؤمن مع نفسه ومع المجتمع ومع الطبيعة والتطور ، فأفكاره في مكان وجسمه في مكان وروحه في مكان ، هو منقسم بين غيب لا يعطي يقين وواقع تبنى العلاقة معه على يقين ، وقد صادر المؤمن الواقع للغيب وحوَّل العلاقة معه الى علاقة خرافية .. الادعاء العقائدي ضد العلم وضد التصوف الفلسفي والوجودي على السواء ، يتمثل في ان هناك اله في السماء – في النظر الديني - وعلاقته مع البشر عبر نبي مكلف من قبله ، فلا بد ان يكون النبي هو المرجع الأسمى والأقدس بالنسبة للبشر  الواصل لهم مع السماء ، ومع ما توجبه العلاقة من طاعة وتكليف .. 
فلدينا هنا اذن نوعين من العلاقة بالله او بحقيقة الوجود : علاقة مباشرة بدون وسائط يسلكها العارف ، وأخرى غير مباشرة تتخللها وسائط وحجب يسلكها المؤمن ، وقد سعى فريق من العارفين والصوفيين للتوفيق بين العلاقتين ، تلافيًا لغضب المؤمنين وتكفيرهم واخراجهم من الملة ، والبعض منهم جاهر بكشفه وكان نصيبه الاضطهاد حتى الموت .. وفي الحقيقة لا مجال للتوفيق ، اذ ان شرط الحصول على الكشف عن حقيقة الوجود هو تحرير الوعي من ثنائيات الوجود الظاهر ، التي من ضمنها - غيب واقع – ومن هنا قال بعض العارفين ان النبي جاء للعامة فقط ، فهناك دين غيب ودين حقيقة ، ودين العارفين هو الحقيقة ..  
 
كميل فياض
 
قبل ان تحدثني عن التقدم والتقدمية وعن الحرية والديمقراطية ،
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق