الله معنا ... فلا غالب لنا بقلم: الخوري ابراهيم داود
2015-12-23 17:53:32
من وحي الميلاد الإلهي:
الله معنا ... فلا غالب لنا
«حيث يِشاء الإله، يُغلب نظام الطبيعة»
عظيمة هي محبة الله للإنسان... ولا حدود لها أو شروط!
الله أمين في محبته وثابت، رغم تقلب الانسان وانفصاله عن الله وعدم استحقاقه!
لقد انعكس حب الله للإنسان منذ اللحظة الأولى... منذ أن خلقه على صورته ومثاله... لم يكن الله بحاجة إلى الإنسان، ومع هذا فقد خلقه ليشاركه غنى محبته ورحمته وعطائه... والمحب دائماً يفيض عطاءً وغنىً ورحمة...
ومع أن الانسان قرر بإرادته أن ينفصل عن الله، فانساق وراء شهواته ومعصيته وخطاياه، إلاّ أن الله الذي حزن لذلك كثيراً، ظل أميناً في محبته، ولم يتركه إلى هلاك، بل ظل يحاول إعادته إليه، وتقريبه منه، وتخليصه من كبريائه وأنانيّته وخطاياه... كان خلاص الإنسان في فكر الله دائماً... لذلك ظل رجال الله على مدى العصور والأزمان، بقوة الروح القدس، يعملون على إعادة البشر إلى صدر الله وحضن الثالوث. كان هؤلاء الرجال، الأنبياء والصديقون والمرسلون البررة، صوت الله إلى الناس، أنْ عودوا إلى الله، وإلى سبيل الحق والإيمان والفضيلة... لكن هؤلاء الأمناء على نداء الله، لم ترُق نداءاتهم للناس... خصوصاً لأولئك المتسلطين، أراكنة الأمم الذين سيطروا على شعوبهم وأذلوا بسطاءهم واستغلوهم واحتقروهم... لم تلق نداءات رجال الله وأنبيائه آذاناً صاغية وقلوباً من لحم ودم لدى هؤلاء الأسياد والقادة المتغطرسين... فقتلوا العديد من الأنبياء واضطهدوهم وشرّدوهم ونكّلوا بهم!
«يا أورشليم... يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها...»
وكان الأنبياء يعلمون بالروح، ما يجول في خاطر الله وفي فكره وفي تدبيره... فتنبأوا عن الخلاص والمخلص وعمانوئيل، «الله معنا». «ولما بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة...» (غلا 4:4). عندما حان الوقت والزمان الذي في تدبير وفكر الله الآب، كانت كلمته إلى عذراء من بلادنا اسمها مريم بواسطة جبرائيل الملاك المرسل... «حيث يشاء الإله، يُغلب نظام الطبيعة».
ولما حان أوان حضور السيد إلى الأرض، صدَرَ أمر اكتتاب واحصاء المسكونة الأول من أغسطس قيصر... فقام يوسف خطيب العذراء مريم، وأخذ خطيبته من الناصرة إلى بيت لحم كي يكتتبا هناك لأن يوسف الصديق «كان من بيت داود ومن عشيرته» (لو 4:2) وفيما كان هناك تَّمت أيام وضعها... ومنذ اللحظة الأولى، «لم يجد ابن الانسان مكاناً يسند إليه رأسه»، فولد في مغارة للبهائم وأضجع في مذود!
لم يعد التاريخ قبل المسيح وبعده واحداً...
بالميلاد الإلهي المجيد أعيدت إلى الإنسان كرامته وحريته... لا فرق بين عبد وحر، أو بين ذكر وأنثى. صارت الخليقة جديدةً مع المسيح، وأصبح الإنسان ملكاً على الخليقة كلها كما أراده الله في العالم أن يكون...
فيا أيها الوافد إلينا من السماء. يا وليد بيت لحم الصابرة!
_ أنت عزاءٌ للحزانى، وبلسم كل الجراح.
_ أنت سند لكل مزدرىً وكل مقهور ومظلوم...
_ فقراء الارض بك أحسوا بكرامتهم وانسانيتهم.
_ الودعاء والمساكين بالروح، بك ورثوا الأرض وملكوت السماوات.
_ انقياء القلوب، بك حُسبوا ابناء الله.
_ الجياع والعطاش والعراة اخوتك.
_ المقهورون المُنتبَذون من الناس إخوتك.
_ وكسيح بيت حسدا، المصابون في عقولهم، والبُرص والعميان، و«الخطأة». صيادو الاسماك، ولعازر الراقد، وابن أرملة نائين وغلام قائد المئة...
الذين لا يلتفت إليهم أحد، ولا يخطرون على بال أحد. انت أحببتَهم ورفعتَ من شأنهم ودافعت عن كرامتهم... الانسان المعذب حبيبك، يا من حملت كل عذاب وألم كي لا ينوءَ انسان تحت عذاب أو صليب... علمتنا يا ابن وطني، كيف نرتفع فوق مستوى البشر، لنستحق بنوة الله والانتماء الى بيت الله...
علمتنا ان قريبنا هو كل انسان، كائناً من كان، يحتاج الى خدمة أو الى رحمة. علمتنا ان الانسان، أياً كان منبته أو دينه هو أخ لنا ينبغي ان نحبه ونحترمه ونخدمه ونفتديه.
علمتنا كيف نحب، وكيف نغفر، وكيف نصوم وكيف نصلي...
علمتنا قيمة النفس منا دون الجسد... علمتنا معنى الأمانة والرحمة والعدالة... علمتنا ان النصوص الحرفية تقتل، بينما الروح يُحيي ويقيم... علمتنا أن نطلب لنجد وأن نسعى لنصل وأن نقرع ليُفتح لنا... علمتنا ايها الحبيب، أن نتخلى عن ذواتنا، وان نكفر بأنانيتنا ونفوسنا، وأن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا. علمتنا ان نطلب ملكوت الله وبرّه أولاً، وكل ما تبقى يعطى لنا ويزاد... علمتنا أن يضيء نورنا قدام الناس ليروا أعمالنا الصالحة ويمجدوا أبانا الذي في السموات... علمتنا أن نصنع السلام وأن نبادر الى مصالحة الخصوم... علمتنا أن نعطي من يسألنا، وأن نحب اعداءَنا ونصلي لأجل مبغضينا.. علمتنا أن ندين اخوتنا وأن نهتم بإخراج الخشبة أولاً من عيوننا قبل أن ننظر الى القذى في عيون الآخرين... وعلمتنا ان الموت فيك حياة وان الصليب جسر العودة الى الحياة...
ومع هذا، يا ابن موطني... يا سيدي، فقد حاولت أن أتعرف اليك، وأن أتحدث إليك وأتحدث عنك. وأنا واثق ان هذا الانسان الذي تحبه كثيراً، لدرجة وانت ابن الله، أطلقت على نفسك صفة «ابن الانسان»، ولدرجة انك بذلت نفسك على الصليب فداءً له. هذا الانسان، وخصوصاً الذي قبلك الهاً ومخلصاً بالمعمودية، سيكون مستعدّاً لاستقبالك، بل لقبولك والايمان بك...
_ سيعود اليك تائباً متواضعاً منتظراً مغفرتك ورحمتك وحبك...
_ سيعود اليك ليحيا فيك، انساناً كبيراً متميزاً كما تريده أن يكون...
فأعطنا القوة يا ألله، يا مصدر كل رجاء وقوة. وأعطنا ان نعبدك بأيمان ومحبة واستقامة، لأننا بك نتقوى وبك وحدك نستطيع، أيها الغلّاب القويّ، على غير المستطاع.
(المكر)
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير