" يوتوبيات " كميل فياض
2015-12-27 07:52:49
يتحدث البرفيسور ميتشيو كاكو نقلاً من كتابه " فيزياء المستقبل" عن ثلاثة انواع من الحضارات : كوكبية ، نجمية ، ومِجَرِّية .. فالإنسان سينتقل في المئة سنة القادمة من حضارة كوكب الأرض ،الى حضارة مجموعة من الكواكب ، ثم الى حضارة المجرات .. وهو يتحدث كطفل عبقري حالم ساذج رغم علمية افكاره النظرية ، وهو يقر ان طرحه من قبيل اليوتوبيات ، أي " احلام الفلاسفة " ..
طرح جميل لكنه في نظري اكثر طوباوية من طرح افلاطون "المثالي العقلي الروحي " حول المدينة الفاضلة ، واكثر طوباوية من طرح ماركس " المثالي العقلي المادي " حول الشيوعية ، وذلك ان افلاطون وماركس وآخرين كالفارابي وتوماس مور ، لم تخرج تصوراتهم عن الإمكانيات الطبيعية المتوفرة مع وجود الإنسان في الواقع ، لجعله يعيش وفق هذه الإمكانيات ضمن نظام عادل ، و(العادل ) هو الشطر الطوباوي من طرحهم .. بينما ميتشيو كاكو يبدو تابع اكثر للخيال العلمي، لعدم توفر شروط الحياة النجمية وغيرها في الحاضر، لا اخلاقيًا ولا ماديًا ..
تديين العلم :
لكن ما سبق من حديث كوم والمحاولة البائسة لتدجين وتديين الكون كوم .. هناك اسلاميزاتسية ناشطة كحركة ايديلوجية ربما منذ ابن تيمية ، غير انه اذا جاز للعقل ان يشتري بعض اوجه من المنطق في أسلمة المعتقدات الدينية المختلفة ، كعقيدة في مواجهة عقائد لا تبتعد عنها كثيراً من حيث الطبيعة ، فإن ما يقوم به كثير من دعاة الإسلام السني من أسلمة للعلم امر في منتهى السذاجة والسخافة .. انهم ببساطة يجبرون العلم مع آخر كشوفاته وانجازاته الفلكية والكونية على العودة الى القرون الوسطى ، التي فُسِّر فيها كل شيء على أساس اعتقادي محض .. وما يبعث على الاستهجان والاستغراب ان هؤلاء الشيوخ يستخدمون المعلومات التي أتى ويأتي بها علماء الفيزياء والفضاء( الكفار) ويستخدمونها عبر بعض التقنيات والآليات الألكترونية التي اخترعها (الكفار) لخدمة تفسير الكون ونشأته وحركات كواكبه ومجراته وافلاكه ، بما يخدم رغبات الشيوخ عبر هذه الآية وتلك السورة وذاك الحديث .. انهم يعيدون تشكيل الكون والحياة لتصبح الأرض مركز الكون ومكة نواته ، بما يخالف التحقيقات العلمية .. هكذا يكون الله سبحانه قد سَخَّر كل ما في الكون والحياة للانسان ، وسَخَّر الانسان وكل ما انتجه وينتجه الانسان لبعض شيوخ التفسير والتأويل وتابعيهم .. ولا يجدي اي نقاش منطقي موضوعي وعلمي مع هؤلاء الشيوخ - سواء من السنة او من مذاهب اخرى - لأن المبدأ الذي يعتمدونه في التفكير هو - عنزة ولو طارت -
الأبسورد :
العلمي والديني على السواء .. في ان المكتشفات الفكرية والمادية مهما تناهت بالدقة ، وبغض الطرف عن سلبياتها وايجابياتها ، عن خطئها وصوابها ، عن زمان ومكان التعامل معها ، يقررها العقل في النهاية ، ولا ينتبه الكشّافون الباحثون الى فضاء الوعي خاصتهم ،الذي دائمًا هو الفضاء النهائي لكل فضاء تجري فيه الابحاث والمختبرات ، وان انصبابهم الكلي على فحص وتبيان الماهية الأخفى والأدق للمادة يحجبهم عن ماهية المكتشِف فيهم ..
وربما يقترب تطور البحث العلمي من جوهر الوعي ، الذي هو ذات الوجود غير القابل للتجزئة والحد والوصف ، من خلال الكشف عن ماهية المادة الفيزيائية ..
والنزعة الطبيعية القديمة في الانسان للخلود نابعة من هذا الوعي الخلفي للجزيئات والأوتار المتناهية في الدقة والصغر ، والتي منها يتشكل ويتكثف الوجود الحسي ، ومع التطور تتحول اكثر فأكثر علاقة البشر مع انفسهم ومع بعضهم البعض، من علاقة مع اشخاص الى علاقة مع ماهيات وجواهر مجردة ، فكما ان (الدي ان اي ) هو الأصل المادي للشخصية الظاهرية ، فإن الوعي المجرد هو الأصل الروحي للعقل وللقيم المعنوية والفنية والاجتماعية وللوجود برمته ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير