"قريةٌ درزيّةٌ جديدة...ذرُّ رمادٍ في عيون المُغفّلين!" بقلم:شريف صعب-أبوسنان
2016-01-12 07:02:08
التزمتُ بيتي واعتليت سريري بعد أن وجدت أن لا إمكانيّة للخروج من الدّار بسبب هطول المطر الغزير،الّذي منّ الّله به على عباده،يوم الجمعة الماضية،رغم خطاياهم،لترتوي الأرض وما عليها...بعد انقطاع طويل.
إنّه مُستجيبٌ للدّعاء وهو أحنُّ من الأمّ على طفلها،كما يقولون...ف "ساعةٌ من ساعاته تقضي جميع حاجاته" وهو الرّحوم الكريم.
وفي لحظة فراغٍ فكريّ خطر ببالي موضوع القرية الدّرزيّة،الّتي كنت قد قرأت عنها،قبل يومين،و تذكّرت مقولةً كنت أسمعها،في شبابي،من الكبار وهي:"إنّ قوّة الدّولة هي جزؤٌ من قدرة الّله تعالى!"أي أنّ قدرة الحاكم في شعبه،كقوّة الباري في عبادهِ...فهو يُقرّر ما يشاء ويفعل ما يشاء!
وعلى ذكر الحاكم وقدرته تناولت صحيفة"يديعوت أحرونوت"،الصّادرة بتاريخ 6/1/2016 وعدت إلى ما كُتب فيها حول المُصادقة،نهائيًّا،على إقامة قريةٍ درزيّةٍ في منطقة طبريّا.
في الخبر تبريرات كثيرة لمثل هذه الخطوة...التّاريخيّة،كتقليص الفجوات بين قُرى درزيّة ويهوديّة وأنّ القرية الجديدة ستكون...قريبة من منطقة صناعيّة،حتّى يرتفع مستوى الطّائفة الإقتصادي والإجتماعي...وغير ذلك.
وخلال التقرير،وعلى لسان"نتنياهو، يقول:لأوّل مرّة منذ قيام الدّولة...نُقيم قريّة درزيّة جديدة،تقديرًا لهذه الطّائفة الّتي ربطت مصيرها بمصير الدّولة!"والوزير"يوآب جلانط" الّذي يصرّح أنّه"احترامًا لمعاهدة الأخوّة بين اليهود والدّروز، سيُنفّذ القرار وأنّ على الدّولة الإهتمام برفاهية الوسط الدّرزيّ وازدهاره!"
ما أجمل هذه التّصريحات وما أفخمها وما أبعد معانيها،قلتُ في نفسي!
حقًّا إنّها أوّل مرّة تُقام فيها قريةٌ درزيّة منذ عهد فخر الدّين المعنّي...وها هو التّاريخ يضحك لنا ثانيةً بابتسامةٍ عريضةٍ،يضحك مُكشّرًا عن أنيابه،عاقدًا حاجبيه...علامة الغضب، والشرُّ يتأجّجُ في عينيه وكأنّ لسان حاله يقول:
ما هذا الإطراء العظيم للدّروز يا سيّد نتنياهو وما هذا الكرم الحاتميُّ يا سيّد غالانط !؟إلى متى ستبقيان تذرّا الرماد في عيون المُغفلين من الدّروز،أيُّها السّادة ...ألم يحن، بعد، وقتُ محاسبة الضميروتبنّي العدلَ وقول الصّدق والإنصاف بحقّ هؤلاء المظلومين!؟إلى متى سيستمرُّ هذا الغبن وذاك الغباء!؟
ويتابع التّاريخُ:
كان الأولى بكم أيّها السّادة الحُكّام أن تُفتّحوا عيونكم أكثر لتَرَوْا كيف أنّ في كلّ قرية درزيّة هناك قرية غير مُعترفٍ بها تحوي المئات من البيوت غير المُرخّصة،ترفض لجانكم العنصريّة ترخيصها...ليبقَ أصحابها في عداد المخالفين و...ليد فعوا الغرامات المفروضة من قِبَل أجهزتكم القضائيّة...وبعشرات آلاف الشّواقل سَنَويًّا...لميزانيّاتكم الإستيطانيّة؟!
كان الألى بكم أيُّها السّادة أن تعملوا على تصنيع القرى الدّرزيّة،أولًا،وبطرق حضاريّةٍ،حسب خُطَطٍ مدروسةٍ، لا عشوائية!
ألم يكن من الأولى،أوّلًا،أيُّها السّادة،أن يُعاملَ الشّاب الدّرزيّ-الجامعيّ كأيّ شابٍ يهودي،أو لنقل كأيّ شاب مسيحيّ أم مُسلمٍ حين يتقدّم للحصول على وظيفة حكوميّة ولا يُسألُ عن خدمته....العسكريّة،كما يُسأل الدّرزي ،الّذي إن لم يخدم يُلقى به خارجًا كعبدٍ حقيرٍ...بينما يُقبل الآخر ممّن لا يخدمون في الجيش(من العرب) للوظيفة، مُكرّمًا مُعزّزًا!؟
...كان أولى،أيّها السّادة،أن تُصادَق الخرائط الهيكليّة وتوسّع مناطق البناء والمُسطّحات وتُعطى قطع العمار للأزواج الشّابة وينفرج أمر إيصال البُنى التّحتيّة للبنايات غير المرخّصة وجعلها قانونيّة،وعندها نكون قد أقمنا خمسَ عشرةَ قريةٍ جديدة،بجرّة قلم،بدلًا عن إقامة قرية واحدة...معزولةٍ مشبوهةٍ،مقطّعة الأوصال غريبة الأحوال!
...لماذا كلّ هذا الغباء..كفاكمْ كذِبًا على"الذّقون!"
أيّها القارئ الكريم، كلّ ما ذُكِرَ أعلاه،إضافة إلى الأمور البديهيّة الّتي هي من مُكوّنات المجتمعات الرّاقية ،لو تحقّقت في قرانا وفي حياتنا،عندها كنّا سنفرحُ ببشائر الخير حول إقامة قرية درزيّة جديدة وكنّا سنهتفُ بأعلى أصواتنا لنُحيّي عدالة القيادة وحكمتها وحفظها للجميل،وإلّا فإن كلّ ما يجري وما يُقال ليس إلّا من باب ذرّ الرماد في عيون المُغفّلين المساكين الّذين يعيشون بين ظهرانينا فهم أعمياء البصر والبصيرة الّلهمّ،إلّا إذا كانت مآربهم الشّخصيّة تطغى على أذهانهم.
يُذكّرني الأمر هذا بما حصل قبل بضع سنين،عندما كانت أزمة أراضي دروز الكرمل،في المنصورة وغيرها،على أشدّها.
ففي تلك الفترة قام عددٌ من اليهود المُتشدّدين "باحتلال"حكر سيّدنا"الحزوري"،نفّعنا الّله من بركاته،في الجولان ،مُدّعين أنّه يتبعُ لهم، ممّا أدّى،عندها، إلى هبّةٍ معروفيّةٍ معهودة،وقد سيطر ذلك الحَدَث على جدول الأعمال الدّرزي وجعل الطّائفة،برُمّتها،تتأهّب لنضالٍ قضائيّ مرير....ولكنّهم زناديق،فمن خلال إلهائنا "المُبرمج" بالحزوري وبقضيّته،نفّذوا بهدوءٍ تام ما أرادوا تنفيذه في أراضي الكرمل ...ونحن غافلون ...ولكن ليس قبل أن يعترفوا بأن حكر الحزوري هو ملك للوقف الدّرزي،ممّا أظهرنا وكأنّنا قد كسبنا المعركة ،والّتي في حقيقتها لم تتمخّض عن أيّ شيئ...لأنّ ما كان لنا،بقي لنا.... في حين صودرت أراضي الكرمل ونُفّذت فيها المشاريع!!
وأنا أعتقد أنّ هذه المرّة هي عَوْدٌ على تلك الّلعبة حتّى نبقى غارقين في وحلِ قرانا وإحباطنا وهمومنا الّتي ستدوم،كما يبدوا،إلى أمدٍ لا يعلمه إلّا ربّ هذا الكون!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير