" المستقبل للبوذية " :كميل فياض
2016-01-18 22:25:03
" المستقبل للبوذية " :
احد المفكرين المعاصرين "سلوفاي جيجك " ( يقول في معرض المواجهة للرأسمالية المستفحلة ، ان البوذية هي مستقبل البشرية ، فهي الرد على تلك الرقصة المنهكة للركض العبثي وراء المال والسلطة والنجاح من قِبَل الأفراد في  المجتمعات المعاصرة .. والبوذية بالمفهوم المنتشر ، كطلب حقيقة داخليه تنطوي على الراحة والسلام ، تغلبت على المسيحية ) .. 
وهذا صحيح فالروحانية والعرفانية الشرق اقصوية عمومًا، كاليوغا والطاوية والفيدنتية الخ ، تنتشر في كافة اصقاع العالم بكثافة متزايدة ، ومن اسرار نجاحها انها تجريبية ليس مجرد عقائد وتعاليم .. من جهة اخرى تتسم  بقيم التسامح والمرونة والمحبة ، بينما المسيحية تعتمد الكرز والإيمان والطقوس والوعظ .. اما الإسلام فقد انقسم تراثيًا بين معتدل يعتمد الشرح الكلامي والشعائر واظهار قيم الخير والسماحة ، وبين متطرف يستخدم العنف والقمع والطغيان . والأخير سبب بارز في افشال المشروع الإسلامي ، خصوصًا مع بروز الداعشية وسائر اخواتها ، التي باتت رمز للهمجية الجديدة ..
 
لكن ما حدث ويحدث – عمومًا – في الغرب ان تناول الموضوع الروحاني لم يكن من بابه وفي عمقه الحقيقي ، بل استُخدم كتقنيات وممارسات لتحسين علاقة الانسان في عيشه الأرضي ، وكعلاج لأوضاع صحية ونفسية ناتجة عن الظروف القاسية التي ولَّدها النظام الرأسمالي ، وبالتالي تظل الروحانية امر فرعي جانبي وسيلي ، وليس محور وجود ومحور تفكير ومسلك حياة شامل ..
فالبوذية بالذات والروحانية الشرقية عمومًا، ليست وسيلة للتخلص من تشنجات عرضية انتجتها مرحلة تاريخية ، بل هي في الأساس قامت لمواجهة مشكلة الإنسان في الوجود برمته، ازاء حيرته وجهله امام المجهول المتعلق فيما قبل ولادته وفيما بعد فراقه ، هي مواجهة لعجزه وضعفه وجهله الانساني والوجودي ، وهي مواجهة لفنائه وموته بعد حياة قصيرة يعيشها، بغض النظر عن اشكاليات هذه الحياة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا الخ .. فجميع فئات المجتمع وطبقاته يحتاجون الى الله كجوهر وجود، يتجلى لهم في مختلف مكونات الحضارة من ادب وفن وفكر وعمل الخ ..   
وقد بدا كأن ارباب النظام الرأسمالي في الغرب – وبصورة مقصودة او غير مقصودة – يحاولون ترميم اعصاب مستهلكيهم واعادة برمجتهم ، بمساعدة الروحانية الشرقية ، لمواصلة طحنهم بصورة تحافظ على استمرار نجاعتهم  في العطاء  بما يوافق التطور ، بعد ان سئم هؤلاء المستهلكون  من الخدع والإغراءات ، التي يتفنن هذا النظام في خلقها لهم .. غير اننا لازلنا – حسب اعتقادي -  بعيدين عن هذا الحلم الذي يحاول سلوفاي جيجيك تقريبه من الواقع من خلال اسباغ صفة واقعية عليه ..
 
كميل 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق