هل يصبح العقل غريزة ؟ كميل فياض
2016-01-30 07:41:50
كل نشاط معنوي ذهني أو حسي ، إذا تكرر يوميًا ،يصبح في حكم العادة ، ثم في حكم الغريزة ، وربما منذ بضع سنوات بدأت تنشأ غدة افتراضية وغريزة تدعى انتر نت وفيسبك في الجسم الاجتماعي لأكثر من مليار ومئتي مليون انسان .. وهذا معناه ان سلوكنا ونشاطنا اذ يتألين يدخل في سبات حركي فاتوني الكتروني ، يفقد روحه وفاعليته ومغزاه الإنساني .. ومن هنا تنبع اهمية الوعي بحساسية بالغة الى ما نفكر ونعمل ، كي لا ننسحق في التكرار ونصبح بليدين ابتذاليين صناعيين، من حيث نعتقد اننا نؤدي (رساله)..
قد ينفع التعود على تكرار نفس النشاط ، العسكر وعمال المصانع ورجال الدين وعشاق الفيسبك ، لكنه مُضر جداً بطلاب الحقيقة والحرية ..
مهم جدا هنا ان نلقي الضوء على علاقتنا بالفيسبك ، كون الأخير نوع من تحول او تطور اجتماعي آخذ بالسيطرة والانتشار ، وهو كل يوم يضم ( اصدقاء) جدد من اعمار مختلفة .. من الملاحظ ان علاقة المنتجين مع انتاجاتهم على التواصل ( الاجتماعي) تتغير وتتحول يوم بعد يوم في زخمها سلباً ، فالمقولة او القصيدة ، او النكتة او الطرفة الأولى ،تلقى اعجابا اكثر عفوية وصدقا ، ثم مع التكرار يبوخ العطاء ويبوخ التقدير ، او يقل او ربما ينعدم ، على تفاوت في صدق التعبير والمجاملة والهز بين الأصدقاء ..
مسحوقين كبار :
هناك مفاهيم عقلية وثقافية تحتل في نفوس اصحابها ، ما تحتله النماذج والمثل المعصومة والمقدسة في نفوس المؤمنين الميتافيزيقيين .. من ذلك كنت اتابع لقاء مع كاتب اسباني كبير ، ومما استوقفني للتأمل قوله انه يكتب 18 ساعة في اليوم ..
وخلصت من تأملي الى ان هذا الكاتب تحول الى غريزة عقلية بامتياز ، وهو اذ يدبج عشرات الصفحات يوميًا ، انما يمارس الجنس بقلمه مع عقله واوراقه .. وقلت لعل هذا الكاتب ليس بحاجة للقراءة والى معلومات للتدوين ، اذ لا وقت لديه لجمعها ، وصفنت اتساءل كيف يمكن لمثل هذا الجهبذ ان يعرف نفسه ، فقد تحول الى آلة كلامية نصف اتوماتيك تعمل دون توقف ، وفي هذه الحالة تحول وعيه الى فضاء مشحون بالعجة التي تمنع الرؤية ..
واقول : اذا كنا نطلب الحرية والمعرفة والحب فيما ننشط ،فان الحرية اصدقاء هي تحرك حر وسط فراغ ، والمعرفة ليس طحن افكار في الرأس ، بل رؤية صافية ، والحب ليس جعجعة شعر وفلسفة ، بل صفاء وعي ..واذ نحن مبتلون بحب الظهور الشخصي نحن نحتاج الى التنافس فيما بيننا ، والتنافس على تصدر قائمة العطاء – مع تزايده وكثرته ، ينتج الزحمة وضيق المساحات للتحرك والنظر ، اي ينتج ظلمة وقيود كثيفة تمنع التنفس والحركة ..
والتعامل الفيسبكي على سبيل السياق ، بالنسبة للكثيرين ، اراه تعامل طرشان وعميان لا يرون ولا يسمعون بعض ، وليس الاعجابات لشيء يدعو فعلا الى الاعجاب ، بل هي بمثابة سد دين عموماً، وإعطاء الصديق سببا مقنعًا للتواصل معه ، وقلائل من يقرأون فعلاً ، بروية وناقدة او ذائقة .. فإلى اين ..؟!
كميل فياض
**
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير