أزمة أمّة : بقلم:كميل فياض
2016-02-08 08:50:43
اذا اراد مثقفونا وبشرنا الخروج من التاريخ المظلم لأمتنا العربية ،عليهم ان يُخرجوا الخبيء من المعادي والتكفيري اللاواعي ، للمختلفين من ابناء الأمة ومن ابناء البشر كافة ، لينكروه على الملأ ثم ليسقطوه ، هكذا نكون تطهرنا من خبثنا التاريخي ، وبدأنا نتأنسن .. ولنتساءل ما الذي دعا ويدعو كبار اساتذتنا ومفكرينا ان ينشغلوا في البحث عن كيفية التعامل مع القرآن ومع العقيدة ، بصورة يمكن معها الخروج من أزمة التفكير المحبط والمانع للتقدم في المسار التاريخي الواقعي .. ولا اريد ان اضع هنا لائحة بأسماء من اغرقوا انفسهم ووقتهم في البحث والتأليف .. لماذا لا يزال يتعامل كبار اساتذتنا مع النصوص الدينية ، بينما اساتذة الغرب لا يتعاملون مع الإنجيل مثلاً ، ولا يبذلون ادنى جهد في كيف يفسرون انفسهم وكيف يفهمون العالم من خلال ما يقدس بعضهم ، بل هم منهمكون في البحث والاكتشاف فيما يخص الكون والطاقة والإنسان .. بعيداً عن كل مرجع سالف ديني وغير ديني ؟..
ربما ان المرحلة التي تمر فيها الأمة العربية ، لا تسمح بالقفز من البحث في كيفية التخلص من الماضي ، الى البحث في هموم العلم المعاصر – خصوصًا مع وجود مشاكل الانظمة الحاكمة بعد عهود الاستقلال ، وما تلاها من انقلابات وزعازع وصولاً الى الثورات الشعبية المسماة بالربيع العربي ..
فالتطور واقعيًا يُبنى درجة درجة .. لكن لنسأل ايضًا : هل كان التطور لدى الغربيين واليابانيين من ظلام الغيب الى نور الواقع الا في صورة قفزات عملاقة .. فالمسافة التي بين عصور الظلام الوسطى وبين عصور التنوير والحداثة وما بعدها ، قصيرة جداً ، وكان الانتقال سريعًا وجباراً عبرها.. فلماذا لم يحدث عندنا ما حدث عندهم ؟!
هل هي خاصية جينية في تركيبتنا البيلوجية ، ام لأسباب في التركيبة الثقافية والاجتماعية ، حيث يمكن التغيير ، ما يخفف شعور الاحباط والتشاؤم ..؟! ام هو مجرد حظ سيء للعرب ..!
يمكننا ان نلاحظ بعض سلبياتنا مقارنة مع الشعوب المتقدمة اكثر ،واحدة : التمسك بالمعتقدات الدينية وبالغيب ، وثانية : قلة القراءة والاهتمام بالعلم ، وثالثة عدم الاكتراث بما فينا وبما نحن عليه ، عدم الاحساس الكافي بضرورة اللحاق بركب الشعوب المتطورة والمتقدمة .. وفي الواقع كل هذه الاسباب مترابطة في حلقات وثيقة ..
ربما لا نستطيع وحدنا تخليص انفسنا بأنفسنا كأمّة ، مع وجود الفارق التاريخي الشاسع بيننا وبين من يتقدمنا .. من الملاحَظ شفقة بعض الشخصيات العالمية علينا وتعاطفها معنا ، من قطاعات مختلفة مثل غالوني عضو البرلمان البريطاني في المجال السياسي ،الذي تمرد على السياسات الغربية العوجاء تجاه العرب .. ديباك شوبرا الهندي الذي الف كتاباً عن الرسول محمد ، محاولاً الدخول منه الى المثقفين العرب والمسلمين لكسر الحاجز العقدي النفسي القائم بينهم وبين الثقافات الأخرى .. والبروفيسور ميتشيو كاكو الذي زار السعودية وعرض فصلاً من كتابه " فيزياء المستقبل " خص به علماء العرب في العصر العباسي ، ذاكرا مساهمتهم التاريخية في تقدم العلم .. غير اننا في الحقيقة نحتاج الى من ينشلنا لا من يدغدغنا ويواسينا ، ولذلك ربما يجب ان نطمح الى استعمار عالمي يكون ارحم منا على انفسنا .. من المعروف انه يوجد اطباء نفسيين للأفراد ، لكن لا يوجد اطباء لأمة مكتئبة في وحدة ممزقة ، والا لوجب ان تعرض نفسها للعلاج من كل النواحي ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير