علاقة الدين بالخلاص الروحي- كميل فياض
2016-02-29 06:43:16
اولا التعامل العقلي السليم مع هذا العنوان يفرض الملاحظة الى ان هناك اديان في الواقع وليس 
دينا واحدا ، وبالتالي يجب التوقف للتساؤل عن اي دين نتحدث  كطريق للخلاص الروحي ؟
وهل هناك دين واحد فقط صالح للخلاص ، ام ان الخلاص ممكن عبر اديان مختلفة .. ثم هل يمكن تحقيق الخلاص الروحي بطرق لا دينية ؟ ولماذا  يجب ان يكون الخلاص  روحياً ، بل لماذا اصلاً يجب ان نضع في اهتماماتنا فكرة الخلاص ..؟ 
باختصار فكرة الخلاص نابعة من كوننا نملك وعيا تجاه وجودنا يتخطى الحياة الآنية الخاضعة لقوانين ولقوى موضوعية خارجة عن ارادتنا .. ولأن طبيعة مقومات الوجود المؤقت هي طبيعة كثيفة مادية حسية ، فمن الطبيعي ان يكون الخلاص (روحيا) يحمل صفة روحية ، كمقابل مضاد للزمني والحسي ، وهو شعور حدسي وفطري سليم بوجودنا الداخلي ، كجوهر روحي يتخطى الوجود المادي المتغير والزائل ، ولأن الوجود الحسي حاجب للوجود الروحي فينا ، اصبح هذا الأخير غيبا ومجهولاً ، رغم وجود أحاسيس وحدوس داخلية بوجوده لدى المؤمنين ، هي نسبية في الناس وهي بمثابة لمعان سُرُج خافتة بعيدة في ظلمات شديدة ، هي ظلمات الوجود المادي  .. 
ومن هنا جاء دور المعتقدات والفلسفات المختلفة  ، عوض الكشف عن حقيقة الوجود الروحي بصورة مباشرة  واضحة  يقينية ..   
اما عن السؤال : لماذا حدث الاختلاط  بين الوجودين الروحي والمادي في الأصل ، وهل كانا منفصلين ثم حدث الاختلاط ، ام ان الاختلاط  او التمازج ليس حادثا ، بل كان مرافقا دائما ولم يبدأ ؟
هذا السؤال سيجر الى اسئلة اخرى عن خالق ومخلوق الخ الخ ، كما يبرز في المسائل الفلسفية الدينية وغيرها .. وهنا اقول :  لا حاجة بنا الى ان نبحث عن الحقيقة خارج انفسنا ، ما دام الجوهر الروحي فينا قائما بأدلة اولية من الأحاسيس والحدوس ، فما يجب علينا هو ان نركز انتباهنا وتحقيقنا في كياننا حتى نصل الى الحقيقة .. 
فقطرة الماء التي تريد المعرفة بأصل وفصل وجودها ، عليها ان تصفي نفسها من الشوائب التي خالطتها بعد مفارقتها للمحيط ، وبذلك تكتشف جوهرها فيه ، كذلك نحن ازاء المطلق الروحي ..
غير ان هناك ادلة منطقية تدعم تلك الحدوس والمشاعر بوجود ذلك الروح او ذلك الإله فينا ، وهو نزوع كل منا عفويا وطبيعيا للكمال في كل شيء ، للعيش بدون نهاية مع كراهية للموت ..  
 
تفسير لنشوء الأديان :
 
وما يفسر نشوء المعتقدات والديانات الميتافيزيقية –  الماورائية – التي رأت في الوجود، وجودين الهي  غيبي أعلى ، وطبيعي واقعي ادنى ، هو انفصال سيكلوجي بسكلوجي في وعي اتباعها ،انفصال عن جوهر وجودهم الروحي الخالص ، بمظهرهم الحسي الكثيف ، هذا الانفصال الوهمي ، هو مصدر الثنائية ( خالق  ومخلوق) ومن هذا التماهي العفوي المتبادل والمتعاكس بين الاثنين ،نبعت التصورات الماورائية بصفات  حسية ونفسية حول خالق ( رحيم  رؤوف كريم قوي الخ ) بما يتفق مع صفاتهم ويخدم حاجاتهم الدنيا ..   
فالديانات حالة عرضية سيكلوجية ، ناتجة عن حالة عرضية سيكلوجية . والخلاص الروحي لا يمكن عن طريقها ، اذ هي نتاج تركيب   بين الروح  والجسد ، والخلاص يجب ان يكون منها اولاً ، لا عن طريقها ، فهي احدا العقبات الكبرى اذ مُنحت من قبل المؤمنين بها صفة تنزيه وتقديس وتأبيد ، اي خارج كل نقاش وبحث وشك ..
 
فالخلاص الذي  يتلمسه (المؤمنون) من شتى الأديان – عمومًا -  قائم على التضامن والتماهي مع الفرقة الدينية التي ينتسبون اليها  ، وهو مؤسس على مصالح امنية واجتماعية واقليمية وتاريخية ضد الفرق الأخرى ( الكافرة والمارقة)  وليس هو طلب خلاص روحي حقيقي من مشكلة الوجود المادي نفسه .. ولذلك فهو تخليد للفرقة والاختلاف والصراع  بين الناس من جهة ، وانفصام عن جوهر وجودهم من جهة اخرى ، بينما الخلاص الروحي الحقيقي ، هو انفتاح صادق محب وعادل على جميع البشر والكائنات ، اذ هي من نفس المصدر الذي نحن منه  ..  
 
 
كميل فياض
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق