حول كرشنا مورتي- كميل فياض
2016-03-22 06:53:35
قد يتصور البعض ان تحركاً فكرياً استثنائياً ولو مقدار (شعرة) خارج الواقع السائد ، هو بمثابة مثالية .. طبعاً لا يكفي ان تكون الفكرة صحيحة حتى تكون ممكنة وقابلة للتطبيق .. لكن هناك افكار كثيرة صحيحة وهي قابلة للتطبيق وتحتاج الى قراءة سليمة والى نوايا صادقة والى جدية ، وتصبح ممكنة وبسيطة .. عندما طرح كرشنا مورتي افكاره على مدى عقود في القرن العشرين ، وكان شخصية روحية وفكرية وفلسفية عالمية ، وهو عملياً يتعدى كل تعريف وتحديد .. عندما عمل على نشر الوعي التجاوزي من خلال محاضراته العديدة في انحاء العالم ، ومن خلال كتاباته ولقاءاته مع ادباء وعلماء ومفكرين من مختلف الاتجاهات ، كان غير مفهومًا وغير قابل للفهم بالنسبة للأكثرية .. بل قال هو نفسه في اواخر ايامه " ربما لم يفهمني احد " مع ذلك هو رأى دائمًا البساطة والوضوح في معظم ما يقول .. وفي الواقع الافكار او الضوء الذي كان يحاول سكبه للناس بسيط جداً ومفهوم ، لكنه يحتاج الى قبول في النفوس ، الى نوايا صادقة لا اكثر ..
مثلاً : رأى مورتي مشاكل البشر ، في الاتكال على الغير من ناحية المبادرة واخذ زمام الامور والمسؤولية .. هناك من يقودنا من يفكر من اجلنا ، من يختار لنا طرائق التفكير والسلوك .. هناك من يحدد لنا المفاهيم والقيم ، ونحن نطيع ونمشي وراءه كالقطعان .. ولذلك نحن عبيد للآخرين .. مجموعة هنا وهناك يخططون ويرسمون لكي نُنفذ ، وبيدهم القوة والسلطة ، وهكذا نصبح مطايا وعكاكيز على حد تعبير احد الأدباء ..
ولذلك رفض هذا المعلم الكبير ان يكون معلماً ، ان يتخذ صفة غورو ، حرص دائمًا ان لا يُلتقط من قبل مستمعيه كمرشد لهم ، فقد رأى في النهج التقليدي السائد اكثر من عيب .. اولا هناك من لا يقصد الحقيقة في تعاليمه بقدر ما يقصد شخصه هو ( انا غورو ، انا معلم ،انا قائد ، انا زعيم ، وانتم عليكم طاعتي وتبجيلي ) وهكذا تظل الحقيقة مُجزأة بين تابع ومتبوع ، وهو شيء من تكريس لفكرة الغيب الدينية الثنائية الفاصمة للوعي الى الهي وبشري ، ولا علاقة لها بالعرفان الحقيقي الصافي النقي ..
وكم من (معلمين ومرشدين) برزوا واشتهروا وكان لهم الوف الأتباع والمعجبين ، وكانوا على ضلال وعلى فساد هم واتباعهم .. ولا زال من هؤلاء يملكون محطات اعلامية ومساحات على الارض يمارسون عليها الاستغلال والضلال والتضليل .. ثم ان الحقيقة - علميًا - لا يمكن ان تُعطى او تُدرَّس ، فهي محض تجربة ذاتية وهي " ارض لا طريق اليها " وفقط بالتأمل والبحث الذاتي يمكن ان تُكتَشف ..
ومن مشاكل البشر في مفهوم مورتي هو الانتماءات الكثيرة المختلفة ، ( حزب ، طائفة، دين، مذهب ، قبيلة ، شعب ، قومية ، امة ، عرق ، الخ . فأي انتماء واي تضامن مع اي فئة ، مع اي مجموعة ، هو اسهام في الكراهية والعداوة والحروب السائدة .. واي فكرة حول انشاء دين عالمي جديد او نظام عالمي جديد ، كالمحاولة الماركسية سالفاً والرأسمالية والعولمة وما شابه ،هو من قبيل الماضي هو استعادة لما هو كائن بصور واشكال اخرى ، وهو خلق اصنام وصنميات جديدة مضافة ..
عندما تنتمي الى فئة معينة وتخلص لها كأنك تقول لا للفئات الاخرى وتكون قد وضعت حداً فاصلاً بينك وبين سائر المجموعات ، سيما وكل فئة تعتبر نفسها هي (الفرقة الناجية) اذا كانت دينية ، او المحقة اذا كانت ايديلوجية او سياسية ..
وهناك الطبقية التي لا دين لها وهمّها الربح والمال بكل وسيلة حتى الجريمة والاحتيال والسرقة ، وكثير من هذا تمارسه الدول ازاء مواطنيها تحت سلطة القانون .. ومن هنا ربما تبرز تعاليم كرشنا مورتي كأفكار غريبة ، فالبشر ليسوا ابناء الأمس القريب ، بل ابناء ملايين السنين من الالتواء والتجزؤ والاقتتال والكراهية .. والحسد هو احد المركبات الأصيلة في الناس ، وهو عنصر دفع للتنافس ، وهو احد محركات الخلق والدمار في حد سواء .. والظلم الى جانب الحق في التكوين البشري ربما هو بديهي ، ضروري ، طبيعي ، من اجل الاستمرار والتطور ، ولو كان عبثياً ، كدورات الليل والنهار وسائر الأضداد في الطبيعة والكون ، كما تتجلى في السببية العمياء ، وفي والسلسلة الغذائية .. الخ ..
فما هي الفائدة من التكريس العقدي والعمري في المستوى العام الشعبي، لمخالفة واقع مطبوع طبعًا بنظام الغابة والتوحش ..
هذا صحيح بالنسبة للعموم والعام والسائد في الواقع، وفيما يتعلق بالكثرة والأكثرية ، لكن كرشنا مورتي اكيد افاد ويفيد بعض الافراد الذين هم قاب قوسين او ادنى من الكشف عن الحقيقة ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير