الوجود الروحي كميل فياض
2016-03-27 00:41:12
معظم الناس لا يعلمون ان فيهم روح ، ويفكرون ويتصرفون كأجساد ، وعلى ذلك يبنون حياتهم قيمهم توجهاتهم اهتماماتهم نجاحاتهم وفشلهم .. وربما غالبية الناس لم تجهل وحسب حقيقة الروح ،بل انكرت وجوده اصلاً ..  لكن ايضًا المؤمنون الدينيون من كل المذاهب والاديان تقريباً ، خصوصاً المسماة ( تنزيلية وسماوية ) ، علاقتهم بالروح علاقة اعتقاد ومعلومات وتفسيرات وطقوس ، ويجيء في القرآن  : وان يسألك عبادي عن الروح ، قل الروح من امر ربي ، وما اوتيتم من العلم الا قليلا .. ومن هنا ربما ظن معظم اهل الكتاب انهم معفيون من السعي للكشف عن حقيقة الروح ، واكتفوا بحفظ الآيات وبترديدها وبتفسير بعضها وبحفظ  مختلف التفسيرات ، وهذا اقصى ما يعلموه عن الروح وما يتعلق به ، والمتبحرون والباحثون والدارسون والحافظون كثيرا والمؤلفون في ذلك ،يسمون انفسهم او يسميهم عامة الناس بعلماء، وفقهاء وفلاسفة ومفكرين .. وهم ليسوا بأقرب الى حقيقة الروح من عبدة الاوثان البدائيين في الواقع . فعلاقة هؤلاء وهؤلاء بالروح على حد سواء ، علاقة تصورات واوهام ، وان كانت تصورات العلماء والمفكرين الدينيين ، مرتبة ونسقية وتحمل صفات منطقية شكلية ، بينما تصورات البدائيين عشوائية لا عقلية .. فلو افترضنا الشمس رمز للحقيقة ، وأمامها عميان ، بعضهم يرتدي بدلات حديثة والبعض الآخر يرتدي ثياب مهلهلة عتيقة ، فجميعهم محجوبٌ عن النور ..      
من المهام العرفانية التجاوزية العمل على نشر الفكر الروحي التجريبي لإخراج الناكرين لوجود الروح من الانكار الى الاقرار ، ولإخراج المقرين ، من مجرد الاقرار والاعتقاد الى التجربة  .. فلا خلاص للبشر من جميع السبل الاخرى ، اذ جميعها يعتمد الهوية الجسدية والنفسية والعقلية ، الراجعة في تكوينها وتركيبها الى معتقدات ، او الى افكار مجردة والى تصورات وهلوسات ، وان كان بعضها يحمل عناوين وصفات روحية ، او باسم الروح .. وهنا لا بد من شرح سبب فقدان الوعي الروحي لدى الناس عموماً .. في الاصل نحن روح واحد ولا نزال روح واحد لكل الكائنات، ولا تعني الكثرة الجسدية ان هناك ارواح كثيرة ، او ان لبعض الكائنات لا يوجد روح ، بل الروح واحد في كل شيء بالاطلاق .. كالماء الذي تمتصه جميع النباتات ، ثم يتحول الى طعوم مختلفة عبر اختلافاتها .. هكذا هو الروح اذ يبدو كثرة مختلفة عبر مختلف الكائنات ، غير ان الروح يبقى دون تغيير في ذاته ، والتغيير فقط  في عكسه عبر الكائنات ، كالنور الذي يقع على اشياء والوان كثيرة ، وكل منها يعكس النور حسب طبيعته ، بينما يظل هو هو في ذاته .. فلو ان كل منا ادرك الروح في ذاته داخله لتحقق ان الواحد هو ذاته في الكثرة ، فالكثرة هي وهم الواحد – اذا صح التعبير – انها لعبة المرايا والنور مرة اخرى ، كما وصفها بعض العارفين المتحققين ..  
ان التطور البشري الحاصل والجاري عبر المدنية والتكنولوجيا التقليدية والالكترونية ، لا تعبر عن التطور الحقيقي للانسان ، انه تراكم لردود افعال قديمة ، بصور جديدة ، فالغرض من الفيلا والقصر والشقة الفاخرة ، هو ذاته الغرض جوهرياً من الفرع الذي كان ينام عليه الانسان الاول ، وهو ذاته الكهف والكوخ والبيت الاكثر اتقانا بعد ذلك .. الا ان استمرار افتقاد الانسان عبر التاريخ لجوهر وجوده الروحي والعرفاني ، جعله يستعيض عنه نفسيا وفنتازيا وذهنيا وحسيا ، بتطوير مفهوم الراحة والسعادة ، في تلك الاشياء والاشكال التي يخترعها .. وهكذا فقد حوَّل الغرض من المأوى مثلا الذي هو للأمن والوقاية من البرد والحر والعوادي ، الى غرض يحمل قيم وصفات معنوية ورفاهية ، وربما لدى البعض هو وكر لصوص متطور وكهف بدائي وادنى في غرضه ، وعلى المأوى قس سائر وسائل العيش التي تحولت الى مصادر صراع وتنافس وخداع ، بسبب تحميلها اكثر بكثير مما تحمله ، وكل ذلك سببه الجهل بالهوية الحقيقة الحاملة للكمال والخلود في ذاتها ، الا هي او هو الروح .. 
 
 
كميل فياض
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق