فيضاً وليس خلقاً ؟ كميل فياض
2016-04-09 15:47:50
لا يوجد خلق مُخطط مُسبق من قبل اله .. ما فُهم كخلق وخليقة ، هو فيض عفوي من المطلق ، اما المطلق هو روح ازلي غير محدود كالفضاء ، وما مادت الاكوان والكائنات سوى نتاج حركة او طاقة فيه ، تتكثف فتصبح كثافتها خلقاً بما فيها من بذور متناهية في الصغر ، من الروح تستمد قوتها وحياتها ، وبحسب قابلياتها وطبائعها وصفاتها الكامنة فيها تصير .. فكل الانواع والاجناس آتية من بذورها الخاصة ، وقد تتطور وتتغير ضمن صفاتها عن اقصى تفتحها ..
اما الانهيار الكوني ، او قبل ذلك فناء الجزئيات ، هو تفكك وتلطف وعودة الى الحالة البذرية المتناهي في الصغر لتعاد الكرة في دورات خالدة ، وليس هناك انتهاء وعدم .. والسؤال اذا كانت الكائنات هي نفسها تتكرر ، او تتغير في تشكلاتها ، فهذا لا يهم بعد الفناء ، لأن الذاكرات تكون قد تفككت ودخل كل شيء في النسيان ..
هل هناك علاقة سببية واعية بين خالق ومخلوق في الوجود ؟
لا علاقة واعية للروح المطلق بما يفيض فيه وعنه ، اذ ان المطلق بسيط غير متثني وغير متجزئ خارج المُدرِك والمُدرَك ، ولا ارادة فيه من حيث هو غير محدود، اذ مع الاراد هناك مراد ومطلوب ، وهذا يقتضي ذات وموضوع ، وموضوع يختلف عن الذات وخارج عن الذات ،بينما لا يوجد شيء خارج عن المطلق ، فلا علاقة واعية له مع ما يحدث فيه ، كما لا علاقة واعية للشمس بما تفعله وينتج عنها ... بالنسبة للشمس – مثلا – لا يوجد نهار ولا ليل ،هي فوق هذه الثنائية، وهي تبخر الماء من البحار والمحيطات ،واثر تغير المنخفض علوا وهبوطا يتكثف البخار وينعقد غيوماً ، تتحرك الرياح وتسوق الغيوم في حركة غير موجهة ، فتسقط مطرا فوق البحار وفوق اليابسة ، وفوق اماكن السكن الخ وتحدث فيضانات هنا وهناك، وينبت من الارض ما ينبت من بذور .. كل ذلك دون تخطيط من الشمس وهي لا تعلم به ، والا لسقط المطر فقط حيث ينفع لا حيث ينفع ويضر ، او اكثر حيث يضر وفي الميقات الذي يضر كما نشهد .. ان علاقة الشمس بما تفعل انعكاس جزئي لعلاقة الروح المطلق بما يفعل في الاكوان كلها ، وهي ربما غير متناهية ، اذ الروح غير متناه..
اما مسار التطور ضمن الحركة الكونية في حياة البشر ، تتمثل في الانتقال من حياة البهيمة والغريزة ،الى التفكير الاسطوري ، ثم العقلي الفلسفي والعلمي ، ثم اخيراً الصوفي التجاوزي ، حيث ينتهي الفكر ويتفكك العقل ، فيتوقف الزمن ، اذ يشرق الروح المطلق ، ويستمر الزمن والتطور في الآخرين حتى بلوغ التحقق الروحي ، او التكرر في الاجساد المختلفة حتى الانهيار الكوني الى بذوره ..
الآن لنسأل : ما هو مبرر وجود خالق بالمعنى الذي يؤمن به اتباع الديانات ( التنزيلية السماوية) ؟ هل نجحت الاديان في توصيل رسالتها ؟ واذا كان هناك خالق واحد ، لماذا هناك اكثر من دين واكثر من شريعة ، ولماذا اختلفت - في الكثير منها - ..
هل تتجزأ عدالة الخالق وتختلف من قوم الى قوم ، وهم يعيشون في نفس الزمن وعلى نفس الأرض ؟!
الا يوجد تناقض بين ما حرم الله في الاديان من قتل واعتداء ، وبين طبيعة الكائنات التي تعيش على القتل – بالطبيعة - كما هو اوجدها ؟!
الا يعني فشل الديانات وفشل اتباعها عن تحقيق الرحمة والعدالة في حياتهم ، فشلاً للأنبياء والمرسلين والدعاة المفترضين ، وللخالق نفسه ؟!
اليس القول ان ما يحدث هو حكمة لا يعلمها الا الله ، مجرد عجز في عقول المؤمنين عن فهم ما يحدث ؟
من الاجابات التي تهمس بها ضمائركم نستنتج ان الخالق الذي اوجدته الديانات (التنزيلية) غير موجود .. لكني اقول ان الله (اللاخالق) موجود ، وهو الروح المطلق في كل شيء وخلف كل شيء ، وهو هو كل شيء .. على الأقل هذا ما يقوله عقلي وقلبي ، واني لهما لمخلصٌ أمين .. في الحقيقة لم اذكر الاديان كمرحلة في تطور الفكر ، لأني اعتبرتها ضمن الاساطير ، ومعروف للباحثين النزيهين ظروف نشوء الاديان .. اما بالنسبة ( للرسل والانبياء) هم دهاة وسياسيين وطغاة ومصلحين ، يختلف الواحد منهم عن الآخر بطبعه وفكره.. بينما المؤمنين قطعان رجت خلاصها وسعادتها ، وقد ساهم في انصياعها وانقيادها لهؤلاء ، جهلها ومعاناتها وعجزها عن البحث والمعرفة ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير