ألتحدي المُلِح : كميل فياض
2016-04-10 18:05:59
أهدي المقال لجميع اخوتي واخواتي المثقفين والمثقفات العرب والمسلمين ..  
ولماذا نتمذهب ، هل حياتنا وارواحنا وضمائرنا ومشاعرنا وافكارنا ، تخضع للقولبة والتحديد ؟! 
طريقة في التفكير والطرح اتبناها : تتمثل في استعادة دور العقل والوجدان الانساني في حياتنا الثقافية والاجتماعية .. وربما كلمة ( استعادة ) غير واقعية وغير صحيحة اذ اننا كعرب ومسلمين ، لم نكن عقلانيين وانسانيين بالمعنى الحقيقي ، وان تمتعنا – كما يشاع في ادبياتنا التاريخية ببعض صفات ايجابية معينة ، افتقر اليها غيرنا ( كرم وضيافة واغاثة ومروءة وشجاعة) ربما باتت قصصًا وحكايات منسية .. لكن ايضاً الى جانب هذه الأريحيات والصفات الحميدة ، برزت في حياة العربي صفات ومبادئ تدميرية  (كالغزو والسبي والوأد والغدر والعصبية القبيلة) ولقد بدا واضحاً ان هذه الصفات لم تنتهي مع الدخول في عهد الاسلام حيث يجب ان تنتهي ، بل استمرت في نطاقات ومفاهيم ومستويات اخرى .. 
 ان الخروج من حاضرنا المأساوي كطوائف ومذاهب عقائدية ، لا يمكن الا انطلاقاً من الخروج من جذور الصراع التاريخي ، الذي استعاد ذاته عبر الاجيال ، بنفس سلبياته على خلفية انقسام اهل البيت ، بين عليّ ومعاوية ، او بين سنة وشيعة، وسائر التفرعات المذهبية .. هذا الخلاف السياسي في الزعامة والإمامة والادارة والخلافة الخ ، ومن ثم الصراع والقتال ، ونشوء التطرف ومفاهيم التقديس والتكفير ، وما رافق ويرافق ذلك من كراهية وسخرية واحتقار ، من كل لكل بين الفرق ، ما هو الا تمزق اشد مأساوية مما كان في الجاهلية بين قبائل العرب .. 
والغريب انه لم يبرز عبر هذا التاريخ الظلامي ، حراك شعبي جماهيري للتمرد ضده .. عملياً لم يكن قائماً في العصور الأولى مفهوم ( شعب وجمهور)  لكن في القرون المتأخرة عُرف هذين المصطلحين ، وتم تجاوزهما الى مفهوم امة وانسانية ، واليوم يتحدثون عن عولمة وعن كوكبية وكونية ، في حين لا نزال طوائف ومذاهب تجتر موروثاتها الثقافية المتخلفة المليئة بالتكفير الديني الوثني ، باسم سموات لا يعلمون عنها شيء ، كما لا تعلم هي عنهم شيء، ان وُجدت .. 
 كانت هناك محاولات لوضع العقل الى جانب الايمان والتسليم ، كي لا نقل تغليب للعقل.. من قبل جماعة المعتزلة والفلاسفة ، بعد ان شعر هؤلاء بخطر الطغيان الايماني الحرفي للدين ، وبرزت تجارب صوفية تجاوزت في تسامحها وروحانيتها وعرفانيتها المذاهب والعقائد والاديان .. لكن قوبلت جميعًا بالقمع والرفض من قبل الخلفاء والأئمة وفقهاء الدين وعامة المؤمنين .. حتى وصلنا اليوم الى ما سمي الربيع العربي وما رافقه من بعث لصراعات وحروب واحقاد مذهبية قديمة دفينة .. 
وهنا اقول : على كل من يعتبر نفسه مثقفاً ان يتبنى فكرة فصل الدين عن الدولة ، كما حصل في اروبا ، على اسس عقلية وعلمية وديمقراطية ، ليكن الدين علاقة بين الانسان ومعبوده وله الحرية التامة في ذلك ، بعد ان ثبت عدم قابلية تطبيق المشروع الاسلامي كدين دولة وكقوانين مُلزِمة ومفروضة على المواطنين ، وذلك لأسباب وجيهة ، منها العجز الفكري عن مجاراة التطور التاريخي العلمي والثقافي ، ومنها انقسام المسلمين الى مذاهب ومطلقات مقدسة ومعصومة مختلفة ، اضافة الى وجود ديانات اخرى في البلاد الاسلامية ..
للخروج من ازماتنا التاريخية طبعًا لا يكفي ثورة ضد الاخوان المسلمين واستعادة الحكم منهم ، كما حدث في مصر ، او مجرد تغيير في هيكلية نظام المؤسسات والحكم – صورياً - كما حدث في تونس .. 
المشكلة اكبر واعمق من مجرد تغيير انظمة ، اذ هي مشكلة تراث وتربية وقيم وتوجهات  ومفاهيم غائرة في اللاوعي الجمعي .. وهذا يحتاج الى اكثر من ثورة ، والى اكثر من بضعة عقود من الزمان .. لكن المهم ان يبدأ مثقفونا المقيمين بين ظهراني جميع المذاهب بفهم اشكالياتنا ، بل مصائبنا الثقافية ، التي تتمثل في التربية البيتية لأولادنا على استغراب واستهجان الآخر المختلف ، بل على تكفيره ووضعه في خانة المغضوب عليهم والضالين ، في حين ذلك هو الضلال والكفر نفسه بالأخ الانساني ..
.. ان نعي المشكلة المحيقة بنا ، يعني الخروج منها والتجرد ازائها وتأملها لتفكيكها نظرياً ونفسياً ، قبل الشروع العملي بطرح حل او حلول لها .. والمشكلة الآن هي التي تحيط بنا ولا نراها ، بل نعيش فيها ونفكر من ضمنها ، نقيِّم  نستحسن ونستقبح ،  ومعظمنا لا ينتبه لذلك ، بل يتبنى المشكلة ويقدسها .. ومن ذلك هناك ازدواج في تفكير اتباع المذاهب تجاه بعضهم البعض ،وازدواج في التعامل ، وهناك استغراق لا واعٍ في ذلك وتذويت له من قبل المثقفين انفسهم ، فضلاً عن عامة اتباع المذاهب .. وفي الواقع ان العجز عن رؤية مشكلة الازدواج هذه كما ينبغي ، يعود الى انها جزء من عقليتنا وجزء من قناعاتنا النفسية - اجتماعياً ودينياً وسياسياً – ففي كل هذه المجالات نجد ازدواجية ، ومن هنا لا مفر من العودة الى العقل بنزاهة وتجرد ، ولا بد من الدخول الى ما يتخطى التفكير في اعماقنا ، وهذا معناه يقظة قصوى لوجودنا ، كي نرى من هناك حقيقة المشكلة ، ولن نراها الا من هناك كمشكلة .. حيث نرى كيف تتشكل افكارنا اصلاً وكيف تنعقد في مفاهيم ، وكيف تصبح هذه المفاهيم او تلك ،هويتنا التي تسيطر علينا وتقودنا .. 
اقول اذا كانت مواجهة الطغيان السياسي تكون بالديمقراطية وبالتثقيف الديمقراطي ، فان مواجهة الطغيان الديني تكون بالمعرفة العقلية وبالفلسفة والعلم والروحانية الصحيحة ، ثم بالتثقيف في ذلكم عبر استحداث منهاج تربوي ملائم .. 
ومن مقتضيات التوجه الثقافي الجديد ، التنبه الى ان الاكثار من استخدام مصطلحات الأسلاف ، والاكثار من الاستشهاد بهم وبأقوالهم ، اولاً معناه اننا لا نزال نعيش بعقولنا في العصور الخالية ، ثم اننا نفتقر الى تجارب والى فلسفات وفكريات تغنينا عن الرجوع دائمًا الى الاسلاف ، والأخطر من هذا وذاك ،هو استمرار تبني الاختلافات والانشقاقات التي نشأت بين الاسلاف او بين اتباعهم  – حتى وان لم نقصد ذلك – اذ تحت مظلة الاسلاف يجتمع الصالح والطالح ، وعدم التمييز بين الصالح والطالح وتأثير ذلك سلبيًا على الحاضر، يظهر في ادبيات ومنشورات وتعابير الكثير من المثقفين اليوم ، وفي ذلك دليل واضح الى اننا لا نملك انفسنا ، ولا نزال نفكر تحت تأثير منومين وسحرة تركونا من مئات السنين ، وبقيت آثارهم كأشباح مهيمنة في فضاءاتنا .. 
 
 
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق