الإبداع ، القيم الاعتبارية ووجودنا بقلم كميل فياض
2016-05-04 14:57:21
الإبداع ، القيم الاعتبارية ووجودنا :
في الحقيقة لا يمكننا الحديث مع اقرب كلام الى الصواب فيما يسمى ( ابداع) وفي كل مجال، دون اتصال بالمبدع الأساس للموجودات ذاته ، لأننا نكون قد تخطينا الثلاثة ابعاد من الوعي اليه ، وهو بمثابة البعد الرابع غير القابل للتحديد والتعريف ، وهو اصل تلك الأبعاد وهي تجلياته وتجسداته : الحسي ، النفسي ، والفكري ، واما هو فمكنة لامتناهية ، تتجاوز الواعي واللاواعي ، ووصفه ببعد وبرابع من باب المجاز ..
هناك اشكال ومستويات من الإبداع كثيرة ومختلفة .. هناك ابداع في ايجاد انظمة ، في ايجاد اختراعات ، في مختلف الفنون والآداب والفكريات الخ..
واريد هنا التركيز ليس على الإبداعات ذاتها ، بل على المبدعين ، فأتساءل: ما هو المردود من الابداع على المبدعين ، ما هي القيمة ، ما هو الربح ، ما هي الفائدة ؟
في الواقع بغض النظر هنا عن الفوائد التي يجنيها ويتمتع بها الناس من نتاجات المبدعين والمبدعات ، فإن القيمة التي يجنيها اصحاب الأعمال الإبداعية ، هي قيمة اعتبارية رمزية ، هي قيمة معنوية - ومناسبة هذا الحديث هو الاحتفال بمرور 500 عام على مولد شكسبير – وقد اقاموا له تمثالاً يخلد ذكراه ..
وتساءلت : هل يشعر شكسبير الآن بهذا التبجيل والتعظيم والتمجيد ؟ وكان الجواب : على الغالب لا .. لا يشعر .. وأتبعت التساؤل : هل هناك شيء ما يجعل الانسان – سواء كان مبدعاً ام لا ، يتمتع بالوجود الحي الواعي ، فيما يتعدى الوجود الزمني والجسدي ؟ وكان الجواب في الأعماق : فقط (الاتصال بأصل الموجودات) الذي هو الحي الأبدي ،هو الشيء الوحيد الذي يحمل قيمته معه ويحفظها في الذات ..
فالتركيز هنا ليس على القيم الاعتبارية والرمزية ، بل على الوجود ذاته ..
ولا اريد ان اظهر كمن يقلل من قيمة ومن اهمية الابداعات الزمنية ، لكن عندما يكون الطموح للإبداع والتميز ، وعندما يكون الابداع نفسه عاملاً في حجب اعظم حقيقة في حياة الإنسان ، الا وهي ماهية حياته ذاتها ، فإن كل انجاز مهما عَظُم يقزم ، ويكون العمل او المُنجَز في غياب الكشف والتحقق بجوهر الذات، اعظم من صاحبه في نطاق الزمان والمكان .. اي كالاهرامات بالنسبة للذين بنوها قبل 4000 آلآف عام ، هم ذهبوا مع اول جيل شاهد الاهرامات ، وبقية صروحهم الى يومنا ..
مع ذلك لا مقارنة بين التحقق بروح الاله فينا ، وبين حجارة معابده..
وطبعاً لا قيمة ولا معنى لمعنى الكشف والتحقق بجوهر الذات ، الا لدى من كشف وتحقق ، وبالنسبة للآخرين هو ضرب من الوهم والخيال ، وفي افضل الاحوال ، هو تفلسف فوقي في زمن علمي وضعي .. رغم وجود فيزيائيين كوانتيين كبار اليوم ، يمازجون بين الفلسفة والعلم ، في التقاء فريد بين الكون والعقل .. فلا مفر من التصوف ومن تجاوز العقل نفسه اخيرا، اذا اردنا ان نعي الواعي فينا لذاته وللأشياء..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير