ملاحظات لا بد منها : في سبيل افتتاح (مركز الزاوية) كميل فياض
2016-05-15 11:07:54
ملاحظات لا بد منها :
في سبيل افتتاح (مركز الزاوية)
اولاً لا اعلن نفسي معلما او غورو او اي شيء من هذا القبيل .. كل ما في الامر اني دخلت في تجربة وامتلكت رؤية وافكاراً ومعلومات في العمق من حقيقة وجودنا ، منذ اوائل الثمانينات ، ومنذ ذلك الحين اتعاطى مع الموضوع العرفاني، بطريقة جدلية ، اي قابلة للتطور وليست جامدة ، فهي ليست عقيدة ، او مجرد فلسفة ، بل تجربة وممارسة وتحقق ، وما احاوله هنا هو جعل الموضوع رسالة تتعدى الكتابة والنشر ، الى الخطاب المباشر والى المشاركة في التجريب ..
ومن منطلق النزاهة مع الموضوع ، اعرض امامكم الصورة التي تعامل ويتعامل معها الكثير من المرشدين ..
هناك اسماء كبيرة برزت في مجال اليوغا والفيدنتا ادفيتا وما الى ذلك ، جاءوا من الهند ومن الشرق الاقصى عموما الى الغرب والى الشرق الاوسط ، في اواسط القرن العشرين، واذ ادركوا مدى الجهل لدى الغربيين بالروحانيات ، ومدى بعدهم عن الحقيقة، اخذ الكثير من اؤلئك المرشدين والمعلمين والغورويم ، استغلال المقبلين على الموضوع - وربما لم يكونوا مستغلين وانما هكذا هم فهموا الموضوع لا ادري - بأن عرضوا صورة المعرفة والتحرر الروحي (في نظام) ينطوي على ممارسة تقنية آلية ، وبأن ذلك خاضع لتنقل عبر مقامات ودرجات ، قد تأخذ من الوقت سنوات كثيرة وتكريس وقت وطاقة ومال لمراكز الارشاد ، بصورة باهظة ومنهكة ، وهذا نفسه يتعارض مع الغاية العرفانية ، اذ الغاية هي الحصول على الهدوء الذاتي وعلى المعرفة بحقيقة الوجود ، وفي ذلك لا المنترة ولا البخور ولا الجلسات اليوغية ،ولا "المدتسيا" التي سماها البعض "ترنسندنتاليت" وهي دون ذلك في فهمهم ، يمكن ان توصلنا الى مبتغانا ، اذ كل ذلك يجري داخل الفكر ، وتصوير ذلك "كسدنا" اي نظام ، تجعل الممارس يتطور في مقامات باتجاه ذاته ، هو هراء ، اذ ان ذلك مجرد تهويل وايحاء بأن الوصول للحقيقة يحتاج الى كثير من ممارسة لتلك التقنيات ، والى كثير من الصبر وتكرار "منترة" ودروس نظرية ، حيث مع ذلك يستمر دفع المال والوقت والطاقة ..
في الواقع ان تلك التقنيات والانظمة وسواها لا تنفع في التحقيق العرفاني ، الذي هو ببساطة يقظة تجاه الذات بعد كشفها وحسب ، فالذات هي الحقيقة وهي حاضرة وحضورها وعي يقظ لذاته ، وهي دائمة الوجود بدون حاجة لبذل اي تفكير واي جهد نفسي ،والى اي سبب للوجود من خارج الذات ، فهي جوهر روحاني بسيط غير منقسم ، وهو اذن خالد وفيه تنطوي اسباب الطمأنينة والاكتفاء المعنوي والسعادة والحرية والجمال ، هكذا يكون التنبه للذات وحده هو المهم ، وهذا لا يحتاج الى تدريب والى نظام تقني ، والى مراكز خاصة للممارسة والتدرب ، لكن الى ذلك بما ان الناس ، او طلاب التحقق والتيقظ ، يختلفون في الامزجة والصفات والثقافات ، مهم جداً معرفة البنية النفسية والذهنية ،التي تميز كل طالب عن الآخر .. يجب العمل على تفكيك البنية النفسية والذهنية – اذا احتاج الامر - واعادة تركيبها بصورة تتوافق ومتطلبات التحقيق ، وهذا هو جوهر النشاط في المركز .. مثلاً كثيرون يتخذون التحقيق وسيلة لأغراض شخصية ، دون ان يدخلوا الى العمق من الذات وكشفها ولو مرة واحدة في حياتهم ، فتكون الذات في هذه الحالة (وسيلتهم) لأغراض هي في الواقع عوائق للتحقيق ، فتراهم يسعون الى التحقيق وفي نفس الوقت يضعون عوائقاً وحواجزاً حائلةً مانعةً ، من ذلك السعي للربح والاغتناء المالي فوق الحاجة الطبيعية العادية ، او السعي للظهور لتحقيق حظوات اجتماعية معينة الخ .. كثيرون يستخدمون الله لأغراضهم ..
وكثيرون من طلاب اليوغا خاصةً، يعتقدون ان تركيز الفكر هو ضرورة للكشف والتحقق ، بينما هو عائق لذلك ، فتركيز الفكر هو اجتزاء للوعي وتقوقع داخل ذاك الاجتزاء، وفي ذلك تقييد وعدم حرية للوعي ،الذي هو اصلاً حرية وطلاقة واتساع غير مقيد وغير محدد .. المراقبة والنظر الداخلي والخارجي بهدوء ونترالية وحيادية هو ما يجب ، وهذا يتطلب استرخاء وبساطة وعفوية وادنى جهد عصبي ممكن ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير