هل القراءة والكتابة والبحث حاجة لا متناهية ؟
2016-05-19 13:46:20
وانتبهت الى ان القراءة والكتابة الفكرية وسواها ، اذا تحولت الى عادة قاهرة والى ادمان وجشع ، حولت الانسان الى حيوان ثقافي مفترس ، يلتهم ويقاتل ، ويبحث عن معارك وصراعات دامية حتى الموت .. وانتبهت الى ان نموذج الانسان الشهواني على اي مستوى ، يضحي تعبيراً وتجسيداً لهذا المستوى او لذاك المجال الذي يعيش فيه ويتمتع ..
انتبه لذلكم لأن رغبة في القراءة قوية طفت من اللاوعي ، فرحت ابحث عن كتاب ، ووجدت كتاباً من الوزن المطلوب – تحت عنوان " العقلانية العربية والمشروع الحضاري " نوقش في ندوة سنة 1988 في تونس- وما لفتني في قراءة مقدمة الكتاب ، كثرة التعريفات للعقل وللعقلانية، حتى اضحى العقل عقولاً شبه لا متناهية : عقل ديني ، عقل فلسفي ، عقل صوفي ، عقل علمي ، عقل اسطوري ، عقل خرافي ، عقل نظري ، وعقل عملي وفقهي وكلامي ومفارق وحسي الخ .. ولكل مجال من تلك المجالات عقول اخرى ، باعتبار ان كل من الدين ، والفلسفة، والتصوف، والعلم، والاسطورة، والخرافة، مذاهب متعددة لها فروع وفروع فروع .. وهكذا يضيع العقل ، لم يعد له تحديد وتعريف خاص به .. وهذا عملياً كان ولا زال من اشد دواعي تخلفنا عرباً ومسلمين حتى اليوم ، اذ ان سحر اللغة والبيان حجب جوهر الوجود ذاته ، كالمفرقعات التي تأخذ العيون والأسماع عن العقل - بالمناسبة - طبعا ما كانت تلك عقولا بل اشباه عقول ، وقد حمَّلنا مفهوم العقل مفاهيم لا عقلية كثيرة ..
صحيح لا يوجد عضو في الانسان اسمه عقل ، كالعين والأذن والأنف ، لكن هناك تمثُّل معنوي فكري منطقي في الوعي ، يستند الى معايير ثابتة واضحة حاسمة من نوع 1 + 1 = 2 .. والعقل بهذا الوصف هو افضل او اعدل قسمة بين الناس كتعبير ديكارت .. غير ان غلبة العقائد والمشاعر الدينية والمذهبية والسياسية ، والأدبية انحرفت عن هذه المعايير وجيرتها لمتطلباتها الخاصة ، فتلون العقل بألوانها وفقد هويته ووظيفته الحقيقية ، وهي التمييز بين الخطأ والصواب والحق والباطل في كل المجالات والمستويات ، حتى آخر حدود الموجودات في الوعي، وهي ذاتها آخر حدود العقل، ليبدأ المطلق ..
واعود الى مشكلة القراءة من حيث هي قراءة وادمان معرفة وهمية على الغالب .. واذ كنت في ما مضى عقوداً والى قبل سنوات معدودة ، (فأر) مكتبة اتلف وقتي وعيني ، في قراءات تبدو لامتناهية ، حتى تنبهت بفضل نزعتي التجاوزية الى عبثية ذلك ،والى ان الوسيلة تحولت الى غاية ، ولذلك اصبحت من حين لآخر اترك الكتاب واحاول ترك العقل والتفكير ، لأختلي وأستصفي واتحرر من ذلك العبث ..
ورأيت ان في الرؤية قراءة اعمق من التفكير ، وبالصمت يقين اشد من التحليل .. وبعد فترة تنبهت الى ان لا بد من العقل في هذا العالم بسبب العلاقات المختلفة والمركبة التي يوجبها الواقع وسياقاته المختلفة – طالما لم نخرج( للتقاعد) بعد - فرحت ازاوج بين الرؤية والتعقل ، فعدت لأوازن بين الرؤية الهادئة وبين التفكير ، فصارت علاقتي بنفسي وبالعالم جدلية ، تتخذ من الروح "الرفسودة" التي اقف عليها وسط الأمواج ، ومن التفكير العقلي مجدافاً في الابحار ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير