ضرورة الخروج من موروثاتنا العقائدية :كميل فياض
2016-05-25 11:14:45
قد يبدو الذي اقول عبر الطرح الذي اقدمه ازاء المعتقدات الدينية السائدة ، كتجديف ، كتجرؤ ، كاستفزاز ، لكني اراه ايقاظاً .. فأرى الناس الذين يعيشون ضمن معتقداتهم - عاديون ومتثاقفون على حد سواء - نائمون على متفجرات قديمة ، اسمها مذاهب ومعتقدات وطوائف ، وهي لا زالت عند كل احتكاك بينها تنفجر هنا وهناك ، ومعظم (المصلحين والمثقفين) يقدمون حلولاً مبسطة مجردة " كالتسامح والمحبة والتفاهم والتعقل والتحضر" وما الى ذلك من كلام ، وهم لا يعرفون ، او يتجاهلون ان ما يقولونه ويدعون له لا يمكن ان يتحقق ، لأنه لا يتفق مع ما يؤمنون به اصلاً ، من حيث استفراد كل من الجماعة التي ينتمي اليها هؤلاء ( بحقيقته المطلقة والنهائية) وهي تفوق بنظرهم ما لدى الآخرين من مطلقات ، في حين هي من صنع افكارهم وشهواتهم ومخاوفهم وأنانياتهم ، او من صنع افكار مخترعي تلك الألغام من فقهاء وربابنة وشيوخ واباطرة ..
وبينما هم يدعون للمحبة والتسامح والفضيلة والانسانية والحضارة ، تراهم لا ينفكون عن غسل ادمغة ابنائهم واتباعهم بتفوقهم وافضليتهم واختلافهم عن الآخرين من الطوائف الاخرى – ان بصورة مباشرة او غير مباشرة ، وهكذا فانهم مستمرون في تقوية الواقي الإيماني الفردي لأبناء طوائفهم ازاء ألغام الآخرين ، في حين نحن جميعاً من كل الطوائف نحتاج الى تفكيك تلك الالغام كلها ،لا ان نتبناها ونحافظ عليها في السر ، ونتبجح بالانسانية والوحدة في العلن ، هو مجرد خداع وتمديد لنفس التاريخ الدموي البائس ،الذي يجسد صورة من صور الجحيم الذي يرونه مكاناً ابدياً للمختلفين والمخالفين ..
المحبة هي الحقيقة وهي فوق المعتقدات كلها ، فلا تتلفظونها على ألسنتكم ولا تخطونها بأقلامكم ولا تمكلدونها في حواسيبكم ولا تخزنونها في ذاكراتكم ، لأنكم لا تعرفونها ..
لا تشرطونها بمعبد ولا بكلمة ولا بطقس ولا بكتاب ولا بصلاة .. فحين تعرفونها ستعرفون ان كل كلمة يمكن ان تكون كلمتها، وكل صلاة صلة بها ، وكل مكان معبدها ، وكل حركة سعي فيها ، وكل مظهر تجل لها ..
طيب ما المطلوب من ابناء الطوائف اولست انا ابن طائفة ايضاً .. هل نتخلى عن معتقداتنا ، وهل هذا المطلب واقعي على افتراض انه صحيح ،هل الطائفية التي هي تعبير عن المذهبية تتعارض والتعددية التي هي مادة النظام الديمقراطي واللبرالي ؟
انا اطرح على نفسي هذه الاسئلة نيابة عن ابناء الطوائف وعن منطق الواقع واستجابة للحس الواقعي والواقعية .. واقول: ربما لا يرى المؤمن وغير المؤمن من ابناء المذاهب والطوائف التناقضات والعيوب والاخطاء الكامنة والظاهرة في جعل المذاهب (مطلقات مقدسة ممنوع المس بها) .. فلو كانت مذاهبنا وادياننا غير (معصومة وغير سماوية ) وقابلة للأخذ والرد والفحص والنقد ، وبالتالي للتصحيح لما كانت هناك مشكلة طائفية ومشكلة تعصب وتكفير وكراهية وقتال ، مع ان معتقداتنا جميعا من صنعنا نحن ولا علاقة لها بأي اله وبأي مطلق خارج افكارنا وعقولنا ، ولا يمكن ان نكتشف هذا الا بالتجرد بالذات وبالتحرر بالذات منها ..
وهذا هو "الابسورد" في علاقة المؤمن بالحقيقة ، فالعلاقة مع الحقيقة كحقيقة لا تصح بالإيمان والتسليم والاعتقاد ، وانما بالكشف العرفاني وبالتحقق الروحاني والانساني ..
ومن هنا تنبع اهمية التوعية العرفانية والتثقيف الروحي والانساني ،كتجربة تتخطى الإيمان والاعتقاد الى التحقق ، فلدينا (علمانيين وقوميين ولبراليين وانسانيين) يحملون لواء النضال ضد التخلف والتعصب المذهبي والديني ، لكن لا توجد لديهم سوى مبادئ فكرية وبرامج سياسية في افضل الاحوال ،هي لا تحمل عنصر قوة التغيير في النفوس ، فالتغيير لا يمكن على المستوى الذهني وحده ، بغض النظر عن مضمونه القيمي والفلسفي ، والأخلاق الانسانية لا يمكن ان تصبح فعلية ، الا بتجربة التجاوز الى جوهر الوجود فينا الذي هو محض نور ومحبة وحرية ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير