ليس بالقدّ والوزن تُعرّف الرّجال بقلم : د.نجيب صعب – ابو سنان
2016-05-26 17:16:20
كلمة رجل وجمعها رجال ورجالات عميقة بل عميقة جداً في معناها وفي إحتواءاتها على الصعيد الانساني، الاجتماعي، الثقافي والابداعي، وكذلك على صعيد اللباقة، الاستقامة، المواقف المشرّفة، الصّدق والامانة وخاصة في معنى الرّجولة الحقّة، الموضوعية وليست العشوائية الغوغائية التي لا ترتكز على الاصول والمنطق.
وإذا توقفنا برهة وتأملنا من حولنا، أو فكّرنا قليلاً، وتعمّقنا في التّفكير لوجدنا بسهولة معاً أو كل واحد على حدة، وجدنا أن المجتمع يزخر بأصناف وألوان الرجال من ناحية الجوهر، المظهر، الحجم، الطّول، العرض والوزن ومن ذوي العنجهية، الكبرياء والشموخ من باب الغباوة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكننا ايضاً إذا تعمقنا أكثر وامعنّا النظر جيداً لوجدنا كذلك رجالاً من أصنافٍ أُخرى، نحيفة الجسم والقدّ، لبقة، خفيفة الوزن والدّم، عميقة التفكير، متواضعة، بعيدة عن الغباء، بعيدة عن الشّموخ، سَلِسَة المحضر، بعيدة عن العنجهية، مثقفة ، أديبة، حكيمة في تصرفاتها وتفوهاتها، تحسن إدراك الامور، ليّنة العريكة غير حمقاء، جميلة السيرة والمنظر، صافية الوجه والمحيي غير عابسة الخ... .
حقاً عزيزي القارئ أنت ايضا ولوحدك ودون عناء يذكر يمكنك ان تميز بين اصناف الرجال , لا بل يمكنك ان تشير وتقولها صراحة في هذا وذاك , وتقول ما تريد انت دون اكراه او اجبار مهما كلفك ذلك دون خوف او وجل , يجب ان تقول الحقيقة التي لا ريب فيها لانها في نظري تصور الواقع الصحيح وليس الواقع الاخر .
نعم ... يمكن للمرء ان يرى في خضم حياته إنساناً سمينا وبصعوبة يحمل جسمه وربما تراه في كثير من الاحيان يهزأ ممن حوله وربما ينعتهم نعوتاً ! ! ! وهو بريء منها ولا يمكن ان يطبقها او يطبق شيئا منها على نفسه , وقد يكون هذا وكثيرون مثله مجرد انساناً يحمل بطاقة الهويه ويحفظ منزلة دون فائدة حتى لنفسه ولا لأي امرئ كان , هنا لا داعي ان ينغر الانسان في حجم هذا الرجل حيث ان الرجال لا تقاس بالوزن والقدّ .
وقد يشاهد المرء وعن كثب امرءا يفوق طوله المترين ومع نحالة جسمه فانه مليئ بالخبث والحسد واللؤم وفي نفس الوقت يدعي ما لا يمكن لعاقل ادعاؤه ! وإذا حادثته قليلاً ربما تتمكن من إكتشافه ومعرفة حقيقته بأقصى السرعة من خلال تفوهاته ونمط حديثه وأفكاره التي يفصح عنها، وقد يوجه ايضا إنتقاداً للكثيرين دون سبب وإنما من باب النقد أو الانتقاد غير البنّاء، وكذلك إذا اطلت التحدث معه لا بد الاّ وتتعرى افكاره كلياً فنجده مفلساً ثقافياً وإجتماعياً مع كل طوله ومع كل الفراغ الذي يملأه في هذا الوجود، إذاً فالطول لا يمكن أن يكون مقياساً للرجال.
وإذا تابعنا تمعننا في شرائح المجتمع لوجدنا أيضا رجالاً ممشوقي القامة والقدّ مرتبين منظمين في تصرفاتهم، لبقين في حديثهم، يعملون جادين لإتقان مهامهم ومسؤولياتهم الاجتماعية بأخلاقياتهم في التعامل، في اتصالهم ,يحترمون الغير ويحاولون مساعدتهم بما لديهم من إمكانيات وصلاحيات وبمعنى آخر ينفذون مهامهم وواجباتهم ويقومون بها خير قيام.
هذا الصنف من الرجال لا شك انه يشكل ركناً إجتماعياً يعتزّ به أفراد هذا المجتمع من باب التصرّف والمعاملة الحسنة ، ومن باب المسؤولية وإحترام الغير من باب الامانة في العمل والاستقامة في تحمل المسؤولية والاخلاص والوفاء في تأدية الواجب في مثل هذه الاحوال لا يسأل الناس عن قدّه ، عن طوله وعرضه، عن كبريائه وعنجهيته وإنما يكتفون بإنسانيته، بحسن تصرفاته وطيب تعامله وصدق معالجته للامور، بوفائه وبإنجازاته العملية ليس لمصلحته الشخصية بل من أجل صالح المجتمع ودعماً له ولتطويره قدر المستطاع، فما من شك أن هذا النفر من الناس يحظى بكل تقدير ويلقى كل إحترام وكل ثناء بين أقرانه وفي داخل شرائح المجتمع المختلفة وهنا ينطبق قول الشاعر:
لا خير في حسن الجسوم ونبلها ان لم يزيّن حسن الجسوم عقولُ
ومن ناحية أخرى ربما نرى رجالاً نعرف عنهم الكثير وندرك تصرفاتهم اليومية والعادية، الزمنية والموسميّة ومواقفهم المتغيرة والملتوية التي لا تعرف حدود التقلب ان كانت سياسية او اجتماعية ، يقصد فيها في بعض الاحيان اللعب على اكثر من حبل، وعليه ان تكون لكسب مالي واضح او لغاية اخرى لا تمت الى الموضوعية والاستقامة او المصلحة العامة بصلة وانما مجرد انانية قاتلة ، لا ترتكز على ما يسمى في نظره موقف رجولي ، له كلمته الصادقة والصارمة وانما يكون في مهب الريح تعصف فيه كيفما تشاء ودولة استئذانه لانه هو هكذا، نعم لأنه هكذا، نما ونشأ وتعوّد على التقلبات الموسمية الاتية، وفي مثل هذه الظروف بالذات رجال كهؤلاء لا يحسبون في عداد الرجال ذوي المواقف المشرّفة.الإنسانية الحقيقية التي لا يمكن لاية رياح عاتية او عاصفة ان تثنيها عن الصدق والاستقامة والمصلحة العامة المظلومة في كثير من الاحيان.
الامثلة كثيرة وعليه لكل ذي ضمير حيّ ولكل انسان واعٍ يعرف ما حوله وما يدور في خضم هذه الحياة، وكذلك لكل إمرىء مهما كان منصبه ومهما تسنم من مراكز قيادية حزبية ذات سياسية كانت ام قيادية ثقافية اجتماعية. كل هذا ان لم يرتكز الانسان على موقف صلب موضوعي مشرّف انساني بعيد كل البعد عن المحسوبيات والانزلاقات الأخلاقية وربما الاختلاسات لا يمكنه ان يعدّ من
خيرة الرجال أو من اصحاب المواقف الجزئية الجبارة والأكيدة التي تدعم وتوطّد صرح هذا المجتمع لُبنة فوق اخرى.
وخلاصة القول: يترتب علينا كافراد وكمجموعات وكمجتمع تهمه مصالحه ويهمه مستقبل افراده الواعد، جميعنا ينبغي علينا ان ننبذ هؤلاء الانانيين ، هؤلاء العابثين ، هؤلاء المختلسين اعداء كل فرد في هذا المجتمع ، هؤلاء بحق وحقيقة لا يمكنهم ولا بأي شكل من الاشكال ولا باية صورة ايضاً ان يعدّو من رجال المجتمع, وكذلك لا يمكن للمجتمع احتسابهم في صفوفه وإنما نبذهم بشكل قاطع ودون مراوغة وضربهم هم وتصرفاتهم وفعالياتهم عرض الحائط ومقاومتهم بشتى الوسائل لإنسانية الحضارية العقلانية لما فيه خير وصالح المجتمع وهنا يصح قول الشاعر:
وكم رجل يعد بألف راجل وآلاف تمر بلا عداد..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير