حول أنواعٌ من المنطق كميل فياض
2016-05-28 16:40:52
سنة 2008 نشرت مقالا تحت عنوان ( أنواعُ منطق) في محاولة لإلقاء الضوء على الخلط الذي يجري لدى بعض الكتاب والقراء والناس عمومًا في تعاطيهم مع الموضوعات التي يتناولونها في الحديث والكتابة ، حيث يظهر منطق التلفيق بقصد التوفيق ، والمنطق الصوري الشكلي تحت قصد التجريبي ، والخطابي الارتجالي بقصد الجدلي الديالكتيكي ، ويختلط الديني بالعلمي بالفلسفي بالأسطوري بالخرافي ، العقلي بالعاطفي والحسي بالمجرد الخ..
وفي الحقيقة لأن شرح كل نوع من هذه الانواع يحتاج الى كلام كثير ، أقدم عينات لبعض منها هنا .. واريد التأكيد على انه لا يمكن الفصل بين انواع معينة من المنطق ، ويمكن بين انواع اخرى .. مثلاً منطق العاطفة غير منطق العقل المجرد ، واحكامهما مختلفة ولا يمكن الجمع بينهما في نفس القضية ، كالربط بين نتيجة الجمع بين الاعداد وبين تفضيل لون معين او طقس معين او اكلة معينة مثلاً .. في حين لا يمكن الفصل بين الديني والاسطوري ، وحتى بين العلمي والاسطوري – في ابعاد استثنائية - حتى الآن ،اذ ان الانسان الذي يُجري التجارب على مادة العالَم بقصد وضع معادلة عن ماهيته ، لم يستكمل المعرفة العلمية بذاته ، فكيف يمكنه ان يُصدِر حكماً علمياً تجاه العالم وهو لا يعرف ماهية نفسه؟ ثم هو لا يستطيع الفصل بين عقله وبين موضوعاته ، مهما كان نزيهاً متجرداً ، وهكذا يتحول الموضوع العلمي الى شيء عقلي ، او في افضل الاحوال الى شيء مع أثر عقلي، في حين يظل الموضوع مجهولاً خارج نطاق التفكير العقلي والعلمي - كله او بعضه - هو تحدٍ يرافق تاريخ البحث العلمي ..
المنطقين الشكلي والجدلي :
المنطق الشكلي هو قياس عقلي مجرد ، مثلاً في بديهيات العقل ان الكل اكبر من جزئه ، والخط المستقيم اقصر مسافة بين نقطتين .. وظهرت اشكالية هذا المنطق وبرز قصوره ، عندما طُبق تجريبيًا على الواقع ولم ينسجم مع كثير من احداث الواقع واشيائه ،فلا يوجد خط مستقيم في الواقع الحسي بنفس القدر المُتَصوَر في العقل ، بسبب كون العالَم الفيزيائي مبني من اهتزازات وتموجات من الطاقة والحركة ، ما جعل منطقاً آخراً يحل محل المنطق البديهي الشكلي القياسي في مجال العلوم الوضعية ، وهو المنطق الجدلي الذي هو تفاعل بين الاضداد وتجاوز لها في وحدة الموضوع ، لتشكيل واقع جديد ، او الوصول الى حالة جديدة ، وهو بذلك يتجاوز المنطق الشكلي الى التجريبي ، ما اعطى مفهوم التطور والتغير للتاريخ والمادة والمجتمع ،وقد كان العالم صورة ثابتة في العقل من قبل ..
ولدينا المنطقين التوفيقي والتلفيقي : اما التوفيقي احتيج اليه في مجالات اجتماعية وسياسية ، للسجم بين وجهات نظر ومدارس وعقائد مختلفة ، في سبيل الاصلاح والتسوية ومنع الصراع ، وهذا امر ايجابي ، لكن عندما لا يحصل تنازلاً من كلا طرفي الاختلاف ، او تغييراً في بعض الاساسيات من طرف معين ، فان التوفيق لا يكون سليماً ، ويظل التنافر والاختلاف قائماً بصورة ناشزة ،وهذا ما قصد بمنطق التلفيق وهو باطل ، للمثال : كأن نحاول السجم بين موسيقى الجاز والدلعونه ، او بين ابن تيمية وبين جبران ، او بين الحجاب والبنطلون الخ ..
المنطق الديني والاسطوري :
وانا اجمع بينهما ولا ارى فرقاً اساسيًا لكون المنطقين لا يستندان الى حجج عقلية وعلمية ،واذا كانت طبيعة الاسطورة لا عقلية فهي لا تحتاج الى منطق العقل الا في مرحلة تشكيل عناصرها المحض خيالية ، وهذا هو الفرق بين المنطق الاسطوري والخرافي ، اذ الأخير لا يحتاج للعقل بالمرة في كل مراحل تشكله ، حيث فوضى الافكار والمفاهيم تكون هي السائدة كلياً، بينما الدين يحاول استخدام العقل في اساسياته ومبادئه ،كإثبات وجود علة مفارقة للكون بالاستناد الى منطق السببية، لكن عند نقاط التعارض بين العقل وبين بعض المسائل التي لا يستوعبها العقل ، كالجنة والنار والحساب والنشور والاله والملائكة والمعجزات وسوى ذلك ، فان الديني يغلِّب أحكام النقل على العقل ، وهكذا يلتقي بالأسطوري ويتصالح معه من النهاية ..
المنطق التجاوزي :
في الحقيقة هو منطق الدخول الى ماهية الوجود بتنبه كلي ،ليس بالتفكير واستناداً الى ما ينتجه التفكير ، اي دون تشكيل ذهني للمعرفة ، فالتشكيل الذهني العقلي وغير العقلي ، هو بمثابة خلقاً لحقيقة وليس كشفاً عن حقيقة ، بينما المنطق التجاوزي هو تخطٍ للفكر لاكتشاف حقيقة ما يحجبه، هو منطق صوفي عرفاني تحرري ، وفقط هو ما يمكننا من معرفة ما وراء المعرفة .
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير