قراءة في ديوان "أنا وهي، أشواق وأشواك" لأمال أبو فارس بقلم: أمين خير الدين
2016-06-01 08:56:01
أهدتني الكاتبة والشاعرة أمال أبو فارس – مشكورة – ديوانها الذي يحمل عنوان "أنا وهي، أشواق وأشواك"، والذي يجمع بين طيّاته عشرات القصائد، ابتدأتْها بقصيدة "شو بيشبهك" باللغة العامية الكرمليّة الجميلة، كجمال الكرمل، والبعض الآخر بلغة فصحى، تُحْسد على إتقانها الدّال على تحدٍّ لزمن، كلّ ما فيه يلغي هذه اللغة، وما فيها من جمال، حتّى صارت أسماؤنا، وكلامنا اليومي هدفا لاقتحامها، وتناسيها واستبدالها بلغة اخرى، هذه اللغة الجميلة التي كرم الله أهل الجنّة بها، وكرّمها بالقرآن الكريم.
وتُحسد الكاتبة على اقتحامها مطبّات الحركات التي يخشاها كثيرون من الكتاب والأدباء المشهود لهم، لأن هذه الحركات تشبه بني البشر في تزاحمها على الظهور كتزاحمهم على الظهور وعلى الكراسي.
لستُ ناقدا، ولا أُجيد مسح الجوخ، أو هدم المعابد، لكني قارئ نهم، جشع، أتذوّق ما أقرأ، أهنأ أحيانا، وأحيانا أتعلقم، وأحيانا أتشبث بما أقرا تشبث المغترب أو المشرد بتراب الوطن.
لا أجامل، ولا أبالغ إن قلت إنني قرأت كثيرا من نصوص هذا الديوان، أكثر من مرّة، وفي كلّ مرّة، كنت أتمنى أن أكون أبا الطيّب المتنبي، الذي كان إذا تصفّح كتابا من 30 صفحة، حفظه غيبا، عن ظهر قلب، كما يقولون، كنت أتمنى أن أحفظ ما أقرأه، لكن الذاكرة التي سحقها العمر، اهترت مع الأيام، وتآكلت، ولم يعد باستطاعتها الاستيعاب والتذكّر.
شدّني الكتاب من بابه الأول، بقصيدته الأولى، بلغته السهلة الممتنعة، بعاميّتها الكرمليّة، والديلاويّة خاصة، في تشبيهها للكرمل بالجمال، بلغة تلقائيّة، صحيحة، تصوّر لنا جمال الكرمل وطنا وتراثا، وأنها على استعداد لتفديه بالدنيا، ودنياها هي حياتها، شأنها شان المخلصين المحبين لأوطانهم، ولشعوبهم، وتطلب من الله: "...يا ألله/ إحمي كرملي/ من شرّ الشياطين/ ومن شرّ الحسد" دعاء المحبين لأوطانهم، دعاء الحريص على وطنه الذي تتربّص به أعين الشياطين!
أمال أبو فارس كالمرأة الشرقية المكبلة بالعادات والتقاليد، في أعماقها رومانسية، لكنها تفتش عنها من خلال إبداعها وأحلامها الشاعرية، تحلم بالرجل المخلص الشهم الكريم ، فتجده في أبيها الذي علّمها التمرّد والتحدّي على الحروف وعلى ركود الحياة، فجاءت قصائدها تُفجّر ما يتفاعل في أعماقها من ثورة على روتين قاتل وعادات وتقاليد كالقيود.
حين تفتش عن المحبة تجدها في إخوتها الذين تغذوا بها، فنمت معهم في الأحشاء، وهبتها لهم أمًّ، تتمنى أمال اليوم، لو تعانقها من خلال عطر شادٍ، أو نسمة صيف، أو زخّة مطر، أو هبّة ريح، أو تلألؤ قطرة ندى أو حتى هدير بحر هائج.
أمال الإنسانة تبكي إخوتها، أراها بعين بصيرتي، في قصيدة الرحيل ص 29 تبكي أخاها الذي رحل مبكرا، حين تقول: "من غاب عنك يا عيوني وارتحل/ لن تراه العين ثانية/ لن يعود ولن يقوم/ لا ولا ولن يمشي في تلك الدروب/ كأنه شيء من السحر/ قد تراه العين ثم لا يكون". وأراها بعين بصري تبكي أخاها الذي شدّ الرحاب، ولم تتسع لإبداعه البلاد المحاصرة بالعنصرية، شد حقائبه، ولاذ بالرحيل ، يفتش عن أرض تعيش فيها الموهبة، وعن هواء صالح للتنفس لا يخنق الإبداع. وعن مناخ لا يغتال الفن والإنسان.
أمال ترفض الخيانة، خيانة الرجل، وتثور عليها بهدوء، ثورة ناعمة تنمّ عن قلب يتسامح، يأبى العنف، أقصى عقوبة تقولها لهذا الرجل" "اخشى عليك من سوء العقاب/ إن كنت تهواها/ فلا تهن كرامتي/ ارحل إليها/ عليك ن تختارها/ أو تختارني" !
ترى في الحب قَدَراً ، كالحياة أو الموت، حين يغادرها هذا القدر "تموت أبديّا" وحين يستجيب لها تحسّ بأن الدنيا تُبايعها ملكة على نساء الأرض، شأنها شأن بنات حواء اللواتي تغرن، ويرفضن المهانة والخيانة، ولا ترضى بأقلّ من أن تكون "نور عين" الرجل الذي امتلك قلبها.
هذه هي الرومانسية التي تعتمد الخيال، وتستنفر العاطفة، وتطعِّمها برؤية فنِّيّة فتولّد إبداعا حالما، شاعريا، يصب بخيال متمرّد في بحر الحياة، أو يطير فوق السحاب، يلامس النجوم، يبادلها السمر والأحلام على ألحان أوتار عود أو رباب.
الحبّ في نظرها مطهّر للنفوس، إن هو اقترن بالحياء والأخلاق، ينقّي القلوب، ويعيد لها براءة الأطفال التي "لا تتقن الكذب / ولا تدّعي / صُنْع الوقار".
أمال الإنسانة تُحسّ باليتم، وهي تخاطب يتيم دمشق، "أخجل.. وأخجل .. خجل" تخجل لأن ابن آدم قتل الإنسان في الإنسان، وألقى بالمشاعر الإنسانية على مزابل التاريخ، فتثور وتصرخ عاليا " كفاكم ... كفاكم ...توقّفوا/ أعيدوا إليه الطفولة" وتقصد يتيم دمشق، ومن خلاله كل يتامى الإنسانية، التي جنت عليهم يد الكفر التي تلوّث الأديان.
تكره الظلم والسخافات وركوب عربة الدين، فتقول في قصيدة "أعطني حريتي" لمن يتآلى على الله ، لمن يفتي باسم الله، لمن يشارك الله في حكمه: "أنا لست نعجة ترعى العشب/ .... /أنا إنسانة/ انا روح / أنا أنثى/ خُلِقت مثلكم /أحسّ كما تُحسّون/ أشعر كما تشعرون.. لا تغروني بالجنّة ".
تخْلُصُ أمال ابو فارس إلى أن الله محبة، غفور، تكره التفرقة بين الأديان، فلا فرق بين إنسان وإنسان يوحّدهما الإيمان بإلاه واحد، أحد، فرد، صمد، وإن اتجهوا لقِبِلات مختلفة، تمشيا مع الآية الكريمة "لو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة" صدق الله العظيم، وتخلُص أيضا إلى أن قلبها صار قابلا كل الأنبياء والأديان: كأنها تردد مع محيي الدين بن عربي حين يقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أُدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وهو إيماني.
هذا هو حب أمال أبو فارس، جب راقٍ عفيف كحب الأمّ، وحب الله، وحب الإنسان، هذه هي عظمة الإنسان في سعة قلبه، وحبه للإنسانية.
ومن هنا أتوجه إلى الشاعرة أمال أبو فارس بخالص الشكر وأطيب التمنيات بالتوفيق والمزيد من العطاء.
2016/5/30
توقيعي:
لأني أُحبُّ شعبي، أحببت شعوب الأرض
لكنني لم أستطع أن أحبَّ ظالما
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير