حقائق حول وجودنا الفردي: كميل فياض
2016-09-05 20:57:48
حقائق حول وجودنا الفردي:
انت وحدك تشعر بكيانك وتعيه مباشرة ، ولا يشاركك ذاتية الادراك غيرك ، فهو اذن كيان وحدوي بطبيعته .. غير ان وجودنا الحسي غير وجودنا المعنوي ، فتجاربنا الحسية، لذاتنا آلامنا تغيراتنا نحن كأفراد نكابدها ولا يصل الشعور بذلك غيرنا .. بينما وجودنا النفسي شبه متداخل مع نفسيات الآخرين ،رغم ان تجربة الوجود تبقى فردية ذاتية عبر المستوى النفسي ايضاً..
وفي الحقيقة ان جودنا هو الوجود كله ، اذ اننا لا نشعر بكيانات الآخرين الفردية الا تصوراً وتمثلاً وبمقارنة نظرية سيكلوجية قياساً بما نشعر به بأنفسنا.. فكل منا هو الوجود كله ، وباعتبار الفرد داخلياً وحدة بسيطة كاملة واعية بذاتها وبغيرها ، لا يمكن ان تكون شيء مركب قابل للتفكك والزوال ،او متغير في ذاته وماهيته ، والا لاستحال عليه ان يتواصل مع ذاته ،مع ادراكه لذاته بنفس الادراك، ولتبدلت كل يوم ماهيتنا ، بل كل لحظة وهذا مستحيل على الواحد في ذاته ، مع ان التغير في ادراكنا لذاتنا ضروري مع وجود الثبات في آن ، فطبيعة الادراك هي حركة وانتقال من حال الى حال ضمن الكيان الواحد بما هو غيره .. اي الوجود المعنوي زائد الحسي في وحدة جدلية ..
ففينا الثابت وفينا المتحول ،حيث من خلال الأخير يتم ادراك الثابت والعكس صحيح ، لا يمكن ادراك المتحول الا بالثابت ..
ضرورة الاعتزال والتفرد والتجرد من تأثيرات الجماعة لمعرفة جوهر النفس :
ان معرفة الفرد (الذات لذاته ) تستحيل مع وجود مؤثرات من الغير في الوعي الذاتي ، فباعتبار جوهر الكيان الفردي جوهر بسيط غير مركب ، لا يمكن ادراكه لذاته مع اشياء توجد فيه ، اشياء صور اشياء ، افكار ، مشاعر الخ ، هي دخائل على الجوهر حتى لو حملت صفات ذاتية وهوية ذاتية .. انت حاليًا لستَ وحدك بمفردك ولا تستطيع ان تكون وحدك ،حتى لو ذهبت الى كهف بعيداً عن الاخرين ، اذ انت كابن مجتمع وكعضو في مجتمع عبارة عن تركيب سيكلوجي وذهني من صناعة الآخرين ، ونتيجة لتراكم تاريخي وتطوري في اطار وجودك مع الآخرين ، ولذلك فان عملية التجريد الذاتي لا تتم عبر الاعتزال الفيزيقي الجغرافي حصراً ، بل من خلال عملية سيكلوجية تأملية داخلية ، غير ان نجاح عملية التجريد الذاتي ليس منوطاً بالقدرة العقلية على التجريد النظري ،بل بالتحريك الوجداني وبالطلب الروحاني ثم بالتحقيق العقلي مُصاحَبًا بالنظر الداخلي الى ان يتوقف التفكير، حيث من نقطة التوقف والسكون التام تشرق الحقيقة ..
كثيرون يقعون في خطأ الاعتقاد بان البحث عن حقيقة الذات يقتصر على التحليل العقلي ، فيكون تجريدهم تجريداً ذهنيًا تصوريًا فقط ، ولذلك لا يحصلون على النتيجة المرجوة من عملية التجريد ،وسرعان ما يعلن البعض منهم عن فشل واحباط ، ومن ثم تنكر واستنكار لإمكانية المعرفة ، ويتحولون الى لا أدريين ..
ولا تقتصر اهمية التحقق بجوهر الذات على الذات ، بل لذلك انعكاسات اجتماعية وموضوعية ، تتمثل في التحرر من الخرافات الدينية الميتافيزيقية السماوية ، حيث يتحول سلوك الفرد جذريًا من الاتكال على الغيب في قضايا المحاسبة والعدل والسعادة ، الى الاتكال على الارادة والخلق والابداع.. وهكذا يكون للتحقق العرفاني دوره في تحرير المجتمع ايضًا من مشاعر الخوف والاستتار والتحفظ والتردد ،النابعة اصلاً من الخوف من الله (الشخصي الماورائي المراقِب والمحاسب ) كذلك يتم التخلص من العادات والتقاليد المثبطة القامعة للمشاعر المانعة للحريات النورماتفيت ..
ويصبح الفرد هو الأساس في المجتمع كما هو في الوجود ، فهو وحدة البناء الاؤولى في الكيان الاجتماعي ، وفي الطبيعة وفي الكون .. وفي الواقع لا يوجد كيان اجتماعي الا من باب المجاز والرمز ، لا يوجد تعيين موضوعي لشيء اسمه مجتمع ، بينما للفرد يوجد تعيين موضوعي واضح الكيان والتحديد ، وهو الأصل في التكوين الرمزي الاجتماعي ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير