في ما يلي ترجمة عربية لهاتين القصّتين بالعبرية، كتبهما السيّد راضي بن الأمين صدقة الصباحي (رتصون بن بنياميم بن صدقة الصفري، ١٩٢٢-١٩٩٠)، ونُشرتا في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، العددان ١٢١٩-١٢٢٠، ١ تموز ٢٠١٦، ص. ٤٧-٤٩. بنياميم (الأمين) نقّح ما خطّ والده.
هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى دول العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحررين الشقيقين، بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
أ. عجيبة إلعزار
”يوسف بن حبيب (حوڤڤ) بن يعقوب صدقة الصباحي، المعروف بكنيته أبو جلال، رحمه الله، مرّ ذات مرّة بجانب قرية عورتا (عَوَرْتِه باللفظ السامري) الواقعة جنوبي نابلس، حيث قبور الكهنة الكبار، إلعزار وإيتمر ابني أهرون، فنحاس بن إلعزار، أبيشع ابنه، والسبعون شيخا.
مرّ، بكونه بائعًا متجوّلًا، بجانب قبور السبعين شيخًا، رحمة الله عليهم، وإذا به يرى فلّاحًا عربيًا من سكّان القرية، يحفُر حفرة للتبرّز فيها، بالضبط بجانب هذه القبور المقدّسة. علّق يوسف على ذلك وقال له: لا يُفعل مثلُ هذا الشيء في قبور الصالحين.
ضحك الفلاح وقال: كعادتكم أنتمُ السامريون تؤمنون دائمًا بالهُراء والأمور الجوفاء. قال له يوسف: أنظر يا صديقي، لقد حفرتَ وتكوّم التراب في هذه الكومات الكبيرة ولكن برازك قليل جدّا، فكلّ ما حفرته كان هَباء.
كلّ طَلَبات يوسف ذهبت أدراج الرياح؛ ترك يوسف الفلاحَ، وسار في دربه، وفي فيه طلبُ السماح والمغفرة للفلاح المسكين الصفيق.
في اليوم التالي، حينما دخل يوسف قريةَ عورتا ليبيع بضاعته من القماش الدمشقي، وإذا بضجيج وصخب ونواحٍ يفطر القلب، تنبعث حزنًا على شخص مات فجأة. الميّت كان نفس الفلّاح الذي التقاه يوسف البارحة. سأل يوسف أهل القرية: إنّي رأيته البارحةَ يحفُر خارج القرية، وهو معافىً كالحصان؟
قال له أهل البلد: هذا صحيح، هذا ما رواه أمسِ لزوجته، كما وذكر لها أنّ سامريًّا جاءه وحثّه على التوقّف عن الحفر. وبعده، أتى أطفالُ صدّيقين وطلبوا إليه أن يستجيب لطلب السامريّ، لكنّه لم يستجب لهم. عند انبلاج الفجر فارق الحياة.
ب. قفزة عجائبية، انتقال من مكان لآخرَ بسرعة البرق
سمعتُ هذه القصّة من والدي، المرحوم الأمين بن صالح صدقة الصباحي (بنياميم بن شلح صدقة الصفري)، رحمه الله وهو بدوره سمِعها. ليتنا نحظى بأن يحدث لنا اليوم، ما جرى في القصّة في تلك الأيّام. في منتصف القرن التاسع عشر، سكن على سفح جرزيم، جبل البركة، في مدينة نابلس جنبًا إلى جنب، مع أبناء طائفته السامريين، الرجل المستقيم والبارّ، إسحق سوريه. سار في الصِّراط المستقيم، ولم يلتفت لا يُمنة ولا يسرى. كان سقّاء، واعتاش من نشل الماء للطائفة. في ساعة مبكِّرة من كل صباح، كان ينزِل لمكان يدعى ”عين العسل“، ينبوع ينبع من ּأعماق جبل جريزيم، يملأ دلاء الماء المعلّقة على عصا، يحملها على كتفيه، ويوزّع الماء على بيوت السامريين.
هكذا عاش إسحق، وأعال عائلته بكرامة، ورأى أبناء الطائفة في ذلك بركة من الله، وأُطلق عليه بين ربعه اسم ’بركة‘. زيارة السامري لقبور الكهنة الكبار، أبناء أهرون، إلعزار وإيتمار وفنحاس بن إلعزار في قرية عورتا، هي فريضة دينية. في صباح يوم صيفي جميل، نهض باكرًا الكاهن الأكبر، يعقوب بن أهرون وبعض وجهاء الطائفة. حمّلوا حُصنهم وحميرَهم بآنية الماء، وبكلّ ما لذّ وطاب من طعام، لتناوله بجانب قبور الكهنة الكبار، ولرفع الصلوات لله من أجل أرواح كل جوق إسرائيل، ليُسكنهم في جنّة عدن إلى الأبد. صعِدوا في الطريق المؤدية إلى قبر الكاهن إلعزار. غادروا مدينة نابلس، منطلقين من جانب ”عين العسل“، ورأوا إسحق هناك يملأ دلاءه. طرحوا عليه السلام، السلام عليك يا إسحق. السلام عليك يا سيّدي الكاهن الأكبر، السلام عليكم أيها الوجهاء، ردّ إسحق. وعندما همّوا بالمغادرة، سألهم إسحق: إلى أين أنتم متوجّهون هكذا على جناح السرعة مع حُصُنكم؟
أجابوه: وِجْهتُنا إلى قبر سيّدنا الكاهن إلعزار، ضع تنكات الماء خاصّتك وتعال معنا. قال لهم: ولمن أترك الأولاد والزوجة؟ إنّي أملأ هذه التنكات، وأوزّعها على أبناء الطائفة، أتسلّم ثمنَها، وبعد ذلك سألحق بكم. ضحك الكاهن الأكبر يعقوب قائلًا: يا إسحق يا بُنيّ، كيف تتمكّن من القيام بكلّ ذلك؟ إلى أن تنتهي من توزيع الماء، نكون قد رجعنا من هناك، لا يا بُنيّ، لا تكلّف نفسك عناءَ فِعل ذلك الآن، إذا لم تتوفّر لديك المقدرة والوسائل، إذهب إلى عملك وليكن اللهُ معك“.
ردّ إسحق: ”أشكرك يا كاهني، أشكرك على بركتك، مع كل هذا، إنّي آتٍ وإله آبائي يَهديني في هذه الطريق“.
٣٤٥ مرّةً أ. - ب.
ابتسم الوُجهاء خِفية، في أنفسهم (من تحت شواربهم)، حثّوا حُصُنهم وحميرهم لكي يصلوا قبل شروق الشمس، ليصلّوا صلاة الصبح على قبر إلعزار. وصلوا بوابة القبر، وإذا بصوت الصلاة والإنشاد منطلِقٌ من ساحة القبر، حلّت بأجسادهم رجفة، وما عرفوا من المصلّي. دُهش الرجال جدًّا وظنّوا أن المصلّي ما هو إلّا ملاك. لملموا قِواهم وشجاعتهم ودخلوا ساحة القبر.
ومن رأوا هناك؟ إنّه إسحق، بركة، السقّاء، يجلس في وسَط الساحة ويصلّي بهدوء، وأحيانًا يرفع صوته. ذَهِل الكاهن الأكبر يعقوب وقال: هل أنتَ إسحق؟ نعم، أنا هو، لماذا تأخّرتم في المجيء إلى هذا الحدّ؟ استفسر إسحق بركة. ردّ الكاهن الأكبر: كيف تمكّنت أنت من الوصول قبلَنا، ولا حصان أو حمار لديك أجابه إسحق: فور تركِكم لي، توجّهت أنا أيضًا وسرت في طريقي، وزّعت الماء على أبناء طائفتنا؛ بعد ذلك بدأتُ أمشي في طريقي الطويلة هذه. كنت أمشي وأصلّي، وعلى حين غِرّة رأيت أنّني في باحة القبر، ولا أحد معي. استغربت جدا لأنّكم لستم معي هنا.
قال له وُجهاء الطائفة: ماذا كنت تصلّي يا أخانا إسحق؟ فأنت، كما هو معروف، أُمّي ولا علمَ لك بالصلوات.
أجابهم إسحق: صدقتم، لذلك بدأت بترديد الأبجدية، وأنا ּأحرّك حبّات المسبحة التي بيدي ٣٤٥ مرّة، وما أن وصلت هذا الرقم وإلا أنا هنا، في المكان المقدس.
بعد أن أنهى إسحق قصّته، قال له الكاهن الأكبر: يا إسحق، نصيبك في الآخرة أكبرُ من نصيب كلّنا، لأنّ مجموعَ قيمة حروف (حساب الجُمَّل) موسى، النبي العظيم، هو ٣٤٥، الميم يساوي ٤٠، الشين ٣٠٠ والهاء ٥، وهو الذي نقلك إلى هنا بهذه السرعة، لكونك إنسانًا ورعًا ومحبًّا للحقيقة والعدل، وبسبب هذا حصلت لك هذه الأُعجوبة.
ركع الجميع وسبّحوا الإله العظيم، لأنّه أنعم من خيراته ونِعَمه على أبناء طائفته ومؤمنيه المساكين.
تلك الطريق بين نابلس ومكان القبر في عورتا، يسمّيها السامريون حتى يومنا هذا، باسم ”قفزة طريق“ ذكرى لفعل إسحق بركة“.