في بيتنا....إمرأةٌ ما بين أُمّ الماضي و...أمّ الحاضرِ...!
على وقعِ موسيقى عيدِ الأمَّهاتِ
بقلم:شريف صعب-أبوسنان
أُمّي أيا أُمّي أنا يا نَغَمْ عود و...ميجنا
فيكِ السّعادةُ ترتَقي نحوَ العُلا،صَوبَ المُنى
يا مَنْ تُغازِلُ مُهجتي ولِروحي، أنتِ المَسْكنَا
في عَيْشِي نورُ منارتي سيفٌ صقيلٌ،ما انحنى
ربَّيتِنا بمَــــــَودّةٍ أنتِ الحَقلْ،نحنُ الجَنى
لو لم تُراعي طُفولتي ما كُنتُ أبلغُ ههُنا
للشّهدِ أنتِ قفيرُهُ حُبِّكْ غمرْ أحشاءَنا
للزّرعِ أنت مياهُهُ للرّوحِ أنتِ الموطِنا
عَبَقُ الأمومَةِ شَدَّنا حُبٌّ جرى بدِماءِنا
سنظلُّ نعبُدُ طَيفَكِ ما دامَ عِشقُكِ...سُمُّنا!!
لا أحدَ يستطيع أن يُناقش الدّور الأساس الّذي تحمله الأمّ في هذا الوجود ولكن بإمكاننا أن نتباحَثَ التّغيّرات الّتي حصلت في عالمنا الحديث والأمور الّتي نبعت عن"زمن الحضارةِ"الّذي زاد من مسؤوليّات الأم ومن أعبائها في هذا العصر "النّاريّ!"
اشتهر الفيلم المصريّ"في بَيتنا رجل" لإحسان عبد القدّوس،عندما ظهر على شاشات السّينما المصريّة في بدايةِ السّتينيّان،ببطولة الممثّل المُبدع"عمر الشّريف"والممثّلة الّلامعة"زُبيدة ثروت"، والّذي هزّ الجماهير المصريّة ثُمّ العربيّة وأثار مشاعرها!ومن يُريد أن يستعيد الذّاكرة فليعُدْ إليه وليُشاهدهُ.
من وحي ذلك الفيلم اخترتُ أن أكتب مقالتي هذه تحت عنوان"في بيتنا إمرأة"وذلك كي أستنهض مشاعركَ،أيُّها القارئ الكريم،حول وضعِ الأمّ في عيدها ويوم المرأة العالمي بشكلٍ عام ولأبيّن ما قد حصل في وضعيّتها وكثرةِ همومها وأعبائها ومسؤولياّتها الّتي تغيّرت،مع الزّمن،وأصبحت حالُها مُختلفةً عمّا كانت عليه...في الماضي!!
يعود العيدُ وتعود الفرحةُ لترسُمَ على شفاهنا ابتسامةً لا شبيه لها،يومٌ يفرضُ علينا أن نُفكّر بجديّةٍ تامةٍ لما حصل في عهدنا هذا مع النّساء،بشكلٍ عامٍّ!
في الماضي كانت الأُمّ أُمًّا بكلّ ما في الكلمةِ من معانٍ ساميةٍ..حيثُ كانت ترعى أبناءَها كلّ ساعاتِ النّهار وتبقى تُراقبهم كي لا يلحقَ بهم أُّيُّ ضَيمٍ...حتّى تُصبحُ الأشبالُ أسودًا والصّبايا لبواتٍ،تقوم بواجباتها وتهتمُّ ببقاءها!كانت الأمُّ ربّةَ بيت، تُقبِّلُ ابنَها بحبٍّ نقيٍّ صافٍ من أيِّ شائبة وترضِعُهُ من حليبها النَّقيَّ/الزّلالَ النّظيفَ،كماء"زمزم"،الخارجِ من ثديِها...من صميمِ فُؤادها!كانت الأمّ تغسلْهُ،تحتضنهُ إذا مرضَ،فيشفى من أنفاسها ومن حنان زنودها وأناملها...تُبدّلُ له ثيابه،مهما تلوّثتْ،"تُمخِّطهُ"إذا ما سال أنفُهُ،تُطعِمهُ الطّعامَ الطّازجَ من صُنعِ يديها المُباركتَينِ، تحتضنهُ و"تعبُطُهُ"...حتّى الثُّمالة!
كانت الأمّ،ركوةً لرأسِ ابنها عند الهموم والصّعابِ،فهوَ"قُرَّةُ عينها"و..."فلذةُ كبدها"والنّسيمُ الّذي تتنفّسهُ في أعماقِها،هو غايتُها وحُبُّها الّذي لا تحدُّهُ إلّا أعالي السّماءِ وأعماقِ البِحارِ وقمَمِ الجبالِ...حُبًّا حلالًا"لوجهِ الّلهِ"،الّذي دعا الأبناءَ"زينةَ الدُّنيا"والآباءَ"رُكنَ الآخرة"،كان عندَها الوقتُ الكافي لكلِّ ذلكَ!
ولكن،اليوم،واحسرتاه،فقد تغيّرت الأحوالُ والحالات وأصبحنا نعيشُ في عصر التّوتر والإنهماك بأُمورٍ لم تحلم بها أمّهاتُنا في الماضي،فتحوّلتِ العلاقاتُ بين الوالدَينِ والأبناء إلى"مادّيّةٍ"بامتياز...تنبع من مصالحَ وانتفاعاتٍ غريبةٍ..."تمشّيًا مع روحِ العصرِ"!
اليوم،الأمّهات مشغولاتٌ بأعمالهنّ وبغاياتهنّ وقد ضاقتِ الأوقاتُ عندَهُنَّ وكثرتِ التّرتيباتُ،ولم يعُدْ مُتّسَعٌ،لا للحنان ولا للرّعايةِ،لا للتّنظيفِ ولا للغسيلِ...لا للطّبيخِ ولا للنّفيخِ،فسُرِقَ الوقت على يَدِ السّيّاراتِ والانهماكاتِ والأعمالِ و...التّبَرّجِ والسّهراتِ والمُشتَرَياتِ والطّلعاتِ والرّحلاتِ ...وكلّ ما كانت تفعلهُ"أُمّي"أصبح من اختصاصِ نِساءٍ"أخرياتٍ":الحاضنة والمنظّفةِ والطّباخةِ،فالثّيابُ تُلبَسُ "مرّةً"واحدةً...والرّاحةُ في التّغييرِ،والمالُ واجِد...و"بوفرةٍ!"
اليَوم،فقَدَ الحنانُ عبَقَهُ وفَقَدَتِ الأمّهاتُ عبيرها الأصيلِ وأضحت بيوتُ العَجَزَةِ مأوًى لكبارنا ندزُّهم إليها...ونبكي حُظوظَنا
...لقد نشِفَ حليب الأُمّهاتِ في صدورِهِنّ،كما نشِفَ الحنانُ في قُلوبِهِنّ،فأصبَحنَ أداةً...للتّفريخِ ويكفيها ابنٌ أو إثنينِ و...كفى!!
لقد دخلت إلى بيوتنا نساءٌ أُخرياتٌ، تقمنَ مقامَ ربّةِ البَيتِ في كلِّ شيئٍ تقريبًا،ففقدت بيوتنا"دِفئَها" التّليد وتغاضت الرّجالُ عن عِزّها وكراماتها من أجلِ...حفنةٍ من النّقودِهي،لا شكَّ، حيَوِيَّةٌ لرفاهنا فأضحتِ"المروءَةُ"يتيمةً حزينةً...ثُمَّ نعودُ كلّ عامٍ إلى نفسِ الأهازيجِ "البَبغاويّةِ" لنتَغنّى...بعيد الأمّهاتِ فنهزج ونرقُصُ ونُصفّقُ كالسُّكارى ونُكدِّسُ الهدايا... وفي البيوتِ"تُعيلُ أُمّهاتنا نساءٌ من بلاد"الواق...واق!"،تتعاملنَ معَهُنَّ بلغةِ الإشاراتِ!!
سألَ"عبدالّلهِ بنُ مسعودَ" رسولَ الّلهِ،صلعم،قال:"يا رسولَ الّلهِ،ما هي أحَبُّ الأشياءِ إلى الّله؟قال:"الصّلاةُ في وقتِها وبِرُّ الوالدين!"وها نحن اليومَ نرى أنّ بِرَّ الوالدينِ قد أصبحَ في مكانٍ آخرّ،تمامًا.
ربَّنا،اهدِنا إذ وهبتنا واعطنا من لَدُنِكَ رحمةً إنّكَ كريمٌ وهاب...عطوفٌ رحيم!!!
في النّهاية،أطلبُ من الّله أن يُلَيّنَ قلوبنا وأن يجعلَ عيدهُنَّ مباركًا ونقطةَ انطلاقٍ لسعادتِهِنَ ولصحَتِهِنَ،وكل عامٍ والجميعُ بألفِ خيرٍ!!