في الثلاثين من شهر آذار عام 1976 كان يوم الأرض الأول، حيث هبت جماهير شعبنا الصامد كلها هبة رجل واحد وأعلنت إضرابا عاما، وتصدت بأجسامها وحناجرها وعقولها وعواطفها لسياسة الحكومة الإسرائيلية ولأجهزة قمعها المتمثلة بالشرطة والجيش والعملاء، تصدت لهم جميعها دفاعا عمّا تبقى لنا من أرض وتعبيرا عن تمسكنا بها وإصرارا على البقاء في وطننا ولا وطن لنا سواه، فنحن الأصل وأصحاب الأرض الحقيقيين. وسقط أثناء المواجهات المباشرة مع قوى البطش ستة شهداء بررة. وكان قرار الإضراب الذي اتخذته مؤسسات شعبنا، والإضراب ما هو إلا وسيلة نضال شعبية وسلمية وشرعية، تحترمه جميع القوانين غلا في بلادنا "المتحضرة والديمقراطية كما تزعم". * من يرصد العلاقة بين الشرطة والجماهير في يوم الأرض، يخلص إلى نتيجة واضحة تؤكد بأن جميع الصدامات حدثت بسبب استفزاز الشرطة للجماهير والاعتداء عليها. * منذ عام 1976 وجماهير شعبنا تحيي ذكرى يوم الأرض الخالد بالمسيرات التي تنتهي بالمهرجانات والخطابات دائما، وبالإضراب العام غالبا، وبالندوات الأدبية والسياسية أيضا، وبغرس فسائل الزيتون أحيانا. وعودة الجماهير إلى بيوتها مشحوذة الهمم ومصممة على الصمود أكثر وأكثر، ومؤكدة بأنها بوحدتها وبتضحياتها وبشجاعتها أقوى من كل أنواع القمع والإرهاب.. وتنتقل قصص كفاح يوم الأرض من جيل إلى جيل ، وتبقى نبعا ثرا للإبداع الأدبي والفني. * ومع كل ذكرى ليوم الأرض تطفو على السطح وجهات النظر المختلفة بين قيادات القوى السياسية العاملة في مجتمعنا العربي الفلسطيني: بين مُطالب بالإضراب ومعارض له، ومكان المهرجان الرئيسي وعدد المتحدثين وانتماءاتهم وترتيب ظهورهم على المنصة وفقرات الاحتفال، ونصوص شعاراته، وغير ذلك ، ولكل قيادة مبرراتها المناسبة لموقفها. * وكثيرا ما فقد المواطن الاعتيادي مكان عمله لأنه أضرب، ولهذا كان البعض يحتاط للأمر بالحصول على تقرير طبي ليقدمه إلى صاحب العمل ، وإذا لم يضرب المواطن العادي فصفة الخيانة والجبن والعيب جاهزة من موزعي شهادات الوطنية ، ناهيك عن حساسية موقف المؤسسات التعليمية من معلمين وطلاب والاستعانة المكشوفة بلجنة أولياء أمور الطلاب في المؤسسة لتنفيذ الإضراب. * ونحن فلسطينيي إل 48 لنا أعيادنا الطائفية بنا كمسلمين ومسيحيين ودروز، هذه الأعياد الطائفية تزيد من وشائج العلاقات الطيبة بين أبناء الطائفة نفسها وبين أبناء جميع الطوائف بحكم تقاليدها من بهجة وإيمان وتبادل الزيارات للمعايدة، وكل عام وانتم والعالم بخير. * ونحن فلسطينيي ال48 كباقي شعوب العالم نحتفل بأعياد وأيام عالمية، مثل: يوم الأم، يوم المرأة، عيد الحب، يوم الطفل، عيد غرس الأشجار، وغيرها.. * ونحن فلسطينيي ال48، لكل منا على مستواه الشخصي عيده أو يومه الخاص به، مثل: عيد ميلاده، عيد زواجه، يوم نجاحه. * ولكننا بحاجة إلى عيد أو يوم يجمعنا نحن فلسطينيي ال48 معا، ويعبر عنا جميعنا ككل واحد وليس كمجموعات طائفية أو عائلية. فيوم الاستقلال هو يوم نكبتنا، ولن يكون عيدا لنا، وعيد الاستقلال الفلسطيني (الآتي حتما)، هو عيد لنصفنا الآخر، نشاركهم الفرحة والاحتفال وليس أكثر من ذلك. * ويبقى يوم الأرض عيدنا القومي الرسمي الذي يوحدنا ويعبر عن صمودنا وبقائنا وآمالنا وآلامنا ... وهل يوجد أقدس من الأرض كي توحدنا ونحتفل بها ولها. وحتى يكون كذلك يجب أن يكون يوم عطلة معترفا به رسميا وقانونيا على مستوى الحكومة، وليس الجماهير العربية فقط، وعندها لن نناقش مع أو ضد الإضراب، والمواطن العادي الذي يركض وراء لقمة عيشه، لن يقلق في نومه وهو حائر بين لقمة العيش والالتزام بالإضراب العام، والهيئة التدريسية لن تنسق مع لجنة الآباء، وغير ذلك من مواقف يعرفها الجميع. ويكون الإضراب دائما وتبقى مظاهر الاحتفالات التقليدية من مسيرات ومهرجانات وندوات ، لأنها أصبحت من طقوس يوم الأرض. * وعليه، فإني أتوجه إلى جميع أعضاء الكنيست العرب وإلى جميع المؤسسات الوطنية في مجتمعنا بالعمل على جعل يوم الأرض عطلة رسمية معترفا بها قانونيا. * آمل أن يجد اقتراحي أذنا صاغية ورغبة صادقة في تنفيذه. * عمر اقتراحي هذا أكثر من عشرين عاما، وها أنا أعود وأنشره للمرة ال...