نعم، لم نعد كالوطن يفكر في الأجيال القادمة، بل كالسياسيين المحترفين الذين يفكرون فقط في الانتخابات القادمة ومصالحهم الذاتية.
وكم تغيرنا وغيرنا هذا الزمن العصيب المتقلب، حتى أصبحنا لا نعرف عن بعضنا إلّا القليل، والقلة من الصّالحين والشرفاء وأصحاب المواقف، لم تسمع كلمتهم، ومنهم من قضوا قهرًا في سبيل الدّفاع عن الأرض، العرض، العادات، والتقاليد والأخلاق العالية، وأورثونا جيلا عجيبًا غريب الأطوار، خلق لنا أزمة إنسانية معقدة جنّدت قدراتها كافةً وبسرعة جنونية لتقلد الغرب في مفهومها السلبي للحرية.
إن ظاهرة التقليد الأعمى من شباب مجتمعنا للغرب، والتي بدأت تسيطر على عقولهم وقلوبهم وتحولت إلى غزو فكري، بغض النظر عن الانتماء، العقيدة، وتركيب طبقاته، لظاهرة في أمسّ الحاجة للتوقف عندها مطوّلا؛ لما لها من آثار سلبية وفق كلّ المعايير والاعتبارات، وتحديدًا عندما نقلده بعاداته التي لا تتطابق ولا تتوافق مع مجتمعنا، وفي مقدمتها انتشار تقليد الشباب للفتيات، إنّها انحرافات سلوكيّة بعيدة عن أسلوب، نهج، ونمط حياتنا التي افتخرنا واعتززنا بها.
المعذرة، ثم المعذرة من القارئ على هذه العبارة الشاذة والجارحة للكاتب المصري سيد القمني التي قيلت عن مجتمعنا ولها صلة مباشرة بالموضوع: " نحن نرى الغرب بعيوننا التي لا ترى في حضارتهم سوى الأفخاذ العارية لأننا بين الأفخاذ نركز عيوننا، فيكون العيب في عيوننا، وليس في الأفخاذ.
إن ما ذكر لا يعني أنه يتوجب علينا أن نمتنع عن تقليد الغرب، أو أي مجتمع آخر، متوهّمين عدم وجود إيجابيّات في الغرب وبقية المجتمعات، بل بالعكس، فالمطلوب أن نأخذ منهم ثقافتهم، إنجازاتهم الإيجابية، وكل ما يصب في رفعة ومصلحة مجتمعنا.
الفرق بين العرب والغرب فقط نقطة!! فهم غرب ونحن عرب، هم تحالفوا والعرب تخالفوا، هم شعب مختار ونحن شعب محتار، هم وصلوا مستوى الحصانة ونحن مستوى الحضانة.
كذلك لا يعني أن أوضاعنا المأساويّة تعود أسبابها لتقليد الغرب بسلبياته، بل لأننا بعيدون كل البعد عن الاعتراف بحقيقة وواقع أوضاعنا المأساوية الآخذة بالتداول في المجالات الثقافية، الاجتماعية، الفكرية والتربوية، بالإضافة إلى حب الهيمنة والسيطرة، عدم إخلاصنا لبعضنا، انعدام توفر النوايا السليمة، زرع بذور الشقاق والاصطياد في المياه العكرة، عدم التخطيط المسبق لأيّ خطوة، والعمل بصورة عشوائية دون استراتيجية، ناهيك عن انحصار تفكيرنا في مصالحنا الشخصية والمظاهر التي عمت أبصارنا، لا نحترم الوقت، ونترجم مصطلح الديموقراطية والحرية بصورة خاطئة، كلٌ على هواه.
غدت الحياة في نظرنا كلعبة أطفال بمكعبات خشبية ملونة كتلون مجتمعنا، الاحتيال في نظرنا ذكاء، الغش وسرقة المال العام حنكة، الاستغلال معونة، الحرية انحلال، العلم مؤامرة، التفكير كفر، أما الدين فخليها على الله!
نفضِّل كلبًا خائنًا يسير خلفنا على أسد مفترس أمامنا، نعيش لنأكل ولا نفكر يوما أن هذا الزمان لا بد ان يأخذنا عاجلا أو آجلًا، وأن القطار لا ينتظر من لا ينظره.