أصابته رصاصة  بظهره عندما كان عمره 13 سنة ومنذ ئذ توقّفت حياته
08/04/2017 - 03:07:52 pm

أصابته رصاصة  بظهره عندما كان عمره 13 سنة ومنذ ئذ توقّفت حياته
جدعون ليفي و أليكس ليبك
هآرتس، 2017/4/7                                         ترجمة: امين خير الدين
       عندما كان في الصف السابع، اشترك يعقوب نصّار بمظاهرة. أطْلقَ النار عليه جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي ومنذ ذلك الحين وهو مشلول في نصف جسمه السفلي. وفي المدة الأخيرة بُتِرَت رجله. عمره الآن 21 سنة ولا زال يبدو  صبيّا كما كان. 
 
نصار بالقرب من بيته، هذا الأسبوع.  يقول ودموعه في عينيه: حلمه الوحيد، في أن يقف مرة واحدة على رجليه، ضاع وإلى الأبد. تصوير أليكس ليبك      

هكذا يبدو الجريح المصاب بنيران جيش الدفاع الإسرائيلي، بعد ثماني سنوات:
حُمل على الأيدي كالكيس إلى غرفة الضيوف الفقيرة في مُخيّم اللاجئين الفوار ، نصف إنسان. يبكي بصمت. عمره 21 سنة خفيف، شاحب، أشهب. رجله اليُمْنى مبتورة بكل طولها وهو مشلول بنصف جسمه السفلي. على مدى ثماني سنوات يدخل ويخرج من المستشفى. اضطر الأطباء في المرة الأخيرة  لبتر رجله من  الفخذ، بعد أن نمت بها غنغرينا شكلّت خطرا على حياته، كانت الغنغرينا نتيجة قرحة الضغط، الناجمة من جلوسه المستمر على الكرسي المتحرك. 
   يعقوب نصار ابن لعائلة لاجئة فقيرة، غير قادرة على تمويل العلاج والمكوث اللانهائي لابنها في المستشفى. لكن  أمه، مريم، لا تتنازل عن شيء وتحارب كلبؤة  من أجل حياة ابنها. عندما كان هذا الأسبوع جالسا على الكرسي في الصالون، رأسه مائل، دموعه تنساب من عينيه، سردت أمّه على مسامعنا أتعابهم وخاصّة أتعاب السنوات الثماني الأخيرة، وكأنها ليست بطلة القصّة.
   من المشكوك فيه أن الجندي الذي أطلق النار على نصار سنة 2009 ، عندما كان نصار عائدا من المدرسة، أن يتذكّر الحادث، بالنسبة له كان واحدا من سلسلة  الأحداث المشابهة.
    كان هذا أيام عمليّة "الرصاص المسكوب"، وحينها أيضا في مخيّم الفوّار، جنوبي الخليل، احتجّوا على أعمال القتل في غزة. خرج يعقوب نصار إلى الاضطرابات وإلقاء الحجارة على الجنود. كان تلميذا في الصف السابع وكان آخر أيام حياته في المدرسة. بعدها لم يذهب إلى المدرسة. الرصاصة التي أطلقها جندي جيش الدفاع الإسرائيلي أصابته ببطنه وفي عاموده الفقري، وبعدها توقّفت حياة يعقوب.
    في البداية مكث في قسم العناية المكثّفة في مستشفى في الخليل، وعندما اتّضح أن الأطباء عاجزون عن مساعدته وأن إسرائيل لن تستقبله للعلاج - أراد والداه أن يرسلاه إلى هداسا -  أُرْسِل إلى مستشفى ابن الهيثم في عمّان، حيث مكث هناك ثلاثة اشهر. سافر والداه  معه، بعد أن تركوا باقي أبنائهم واستأجروا شقّة في عمّان طيلة مدّة مكوثه في المستشفى. قرر الأطباء في الأردن أن يعقوب سيبقى مشلولا طيلة حياته. 
     بدأت المضاعفات بالظهور في جسمه بعد عودته إلى البيت، نتيجة للتلوّث وخلال السنوات التي مرت أُدْخِل إلى عِدّة مستشفيات في الضفة الغربية: الأهلي، عاليه، يطّا، بيت جالا. شهر أو شهران في المستشفى، أسبوع في البيت وبعده يعود، لمستشفًى آخر. وهكذا خلال سنوات. من المشكوك فيه أنه تلقّى علاجا صحيحا خلال هذه السنين، وطبعا لم يدخل قسم التأهيل.
ولد مشاغب جدّا
      بدأ قبل سنة بدأ يُعاني من قرحة الفراش التي أخذت تزداد خطورة. في نفس الفترة لم يكفّ عن الصراخ وعن البكاء من الألم. أخذته أمّه إلى المستشفى في يطّا، وهناك قال لها الأطباء لا يُمْكِنهم أن يقدموا له أيّة مساعدة، وحذّروها من أن حالته ستزداد سوءا وإن حياته في خطر. سافرت مريم  إلى وزارة الصحة في رام الله، وهناك هددت إنها لن تغادر المكان حتى يجدوا مكانا يُعالج فيه ابنها. تقول إن لم تكن لك علاقة في السلطة لن تحصل على مساعدة. وأخيرا وافقوا في السلطة على تمويل علاجه في المستشفى ألتأهيلي في بيت جالا.
     في غضون ذلك ساءت حالته. بدأ ينزف، وفي مستشفى بيت جالا لم يستطيعوا عمل شيء، عدا إعطائه وجبات من الدم. تَوَرّمت رجله اليمنى واسْوَدّت. قال الأطباء في بيت جالا إنه فقط في إسرائيل يمكن إنقاذ حياته. ومرت حوالي ثلاثة أسابيع حتى استطاعت مريم من الحصول على المصادقات لنقل ابنها إلى إسرائيل. في البداية قالوا لها إنه "ممنوع أمنيا"،  وبعد ذلك لم يجدوا له مكانا في هداسا عين كارم، وأخيرا  أُدْخل إلى مستشفى إيخيلوف في تل أبيب، لثلاثة اشهر.  
    أعانه أبناء العائلة بالمناوبة: أحد إخوته استقال من عمله كي يبقى معه وتناوب الوالدان فيما بينهما. كلّفتهم كلّ سَفْرَة إلى تل أبيب مئات الشواكل، كل سَفْرَة إلى المستشفى في الخليل، وللفحص أيضا، 150 شيكل. نَقْلُه إلى المستشفى بما في ذلك حمله دائما في الزقاق شديد الانحدار بواسطة أمّه أو أحد إخوته وبعد ذلك بسيارة الإسعاف.
   أبوه، فائق، عمل جنائنيّا في بلدية أورشليم لمدّة 25 سنة، أُجْريت له عمليّة جراحية للقلب وتعقّدت، ولازال في حالة إنعاش منها. أحَدُ إخوة يعقوب، أحمد 25 سنة، لا زال موقوفا منذ سنة ونصف السنة في إسرائيل بتهمة إلقاء حجارة وزجاجة حارقة. 
   تتحمل الأمّ كل هذا العبء. نسبيا بيتها مُعْتنًى به، عندها ستّة أبناء وثلاث بنات. محقق منظمة بتسيلم، موسى أبو هشهش، من سكان المخيّم سابقا، يقول عن يعقوب إنه لغاية إصابته كان ولدا مشاغبا ونشيطا جدا، وعرفه كل سكان المخيّم. الآن أبو هشهش يحضن يعقوب ويقبِّله وينفجر باكيا.
   تحسن وضعه في الشهر الأوّل من مكوثه في مستشفى إيخيلوف، ولكن تعقّد وضعه ثانية وقد وضّح الأطباء ذلك لمريم وليعقوب، أنه عليهم بتر الرِّجْل من أجل إنقاذ حياته. تحطّم يعقوب نفسانيّا، رغم أن رجليه الاثنتين كانتا مشلولتين. وحتى ذلك الحين، قال، كان يمكنه أن يزحف على الأرض، رغم أنه مشلول. الآن لا يمكنه ذلك. حلُمُه الوحيد، أن يقف مرة على أرجله قد تحطّم للأبد. هذا ما يقوله لنا ودموعه تترقرق في عينيه. 
استُدْعي للتحقيق
   خرج في الأسبوع الماضي من المستشفى وعاد إلى بيته. وبقيت الرِّجْل المبتورة في المستشفى، تقول أمه أنها لا تملك تكاليف نقلها بسيارة إسعاف من أجل دفنها كما ينبغي وكما تريد. عند مدخل البيت يوجد كرسي للمُقْعدين كهربائيا، رثُّ ومُحطّمٌ، تبرع  به أحد الأشخاص للعائلة. هذا الكرسي المتعثّر، المكسور الخطير، يحمل يعقوب أحيانا بأيّة حال خارج البيت ليستنشق الهواء، عندما يأتي صديق ويخرجان  للزقاق المنحدر.
  تقول أمّه إنه منذ عاد إلى البيت لا ينام ليلا من الألم، وأكله قليل. " مثلا، هذه الليلة لم يغمض له جفن ولم يأكل شيئا"، هذا ما قالته لنا عندما زرناهم  يوم الإثنين. وقالت "نحن متعبون جدا"، " لم يُشَلّ يعقوب وحده من الرصاصة التي أصابته – كلّ العائلة مشلولة منذ ثماني سنوات". تقول، بيأس، لم يتكلّم معهم أحد عن العلاج ألتأهيلي و الرِجْل الاصطناعيّة أبدا. ربما في الزيارة القادم لإيخيلوب آخر الشهر.
    وكّلوا محاميا (مازن قبطي) وحاولوا تقديم دعوى تعويضات ضد إسرائيل، عن إصابة ابنهم الذي حسب ادِّعائهم  التقى بالصدفة بالمظاهرة عندما كان عائدا في طريقه من المدرسة إلى البيت، وتعويضا عن مصروفات العائلة وعن علاجه خلال هذه السنين. لديهم مستندات طبيّة تؤكّد حالته، وكلفهم تحضير هذه المستندات أموالا طائلة، وقد رُفِضت الدعوة رفضا باتا في محكمة الصُلح في أورشليم، بحُجّة أن الأمر يتعلق بعمليّة حربيّة. تسأل الأمّ: "أيُّ حرب؟" "كان طفلا".بعد إصابته بنصف سنة استُدْعي للتحقيق، بتُهمة إلقاء الحجارة. كانت أمّه تنتظره خارج غرفة التحقيق. عندما سمعت صراخ المحقق على ابنها، اقتحمت غرفة التحقيق فطُرِدت منها بخزي. هي مشغولة  بضائقتها الماديّة، وابنها بحالته البدنيّة، هذا الأسبوع ربطوا البيت بشبكة الإنترنت كي يستطيع المتابعة والدخول إلى الإنترنيت. لكنه يقول: فقط يريد أن يقف على رجليه.  يدفع لهم نادي الجرحى التابع للسلطة الفلسطينيّة مخصصات عجزة  بمقدار 1400  شيكل جديد، مبلغ كهذا يكفي للسفر مرّتين إلى إيخيلوف. الطريق لبيتهم شديدة الانحدار، زقاق من الباطون  ضيّق في مخيّم اللاجئين.
 2017/4/8

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق