شبعنا جعجعة فأين الطحين – نموذج المشتركة والمتابعة
سامر عثامنة – ناشط اجتماعي وسياسي.
عندما يعلن رئيس دولة الحرب على شعبه، ويمارس ضدهم أبشع أنواع القتل والتنكيل، عندما يمارس نظام ما القتل الجماعي ضد أطفال ونساء ورجال شعبه من المدنيين، فليس هذا وقت جعجعة التحليلات الجدانوفية والغوص في مياه المستنقع الآسنة للحديث عن مؤامرات "امبريالية وخليجية".( جدانوف هو وزير إعلام روسي سابق اشتهر بنشر الأخبار والأقوايل العارية عن الصحة).
لم يتوقف النظام السوري وقيادات البعث وعائلة الأسد عن ارتكاب أفظع الجرائم ضد أخوتنا السوريين، لمجرد أنهم يطالبون بمستقبل أفضل لهم ويصرخون ضد الفساد والظلم. ودخول عناصر إرهابية مشبوهة (داعش والنصرة) فوضى ساحة الاقتتال السوري، ليس مبررًا لأي قيادي عندنا للسكوت عن هذه الجرائم.
غالبية بنات وأبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل، وأنا من ضمنهم، استبشرت خيرًا بالقائمة المشتركة، فتجندت وصوتت لها. وبعد مرور سنتين على أداء القائمة المشتركة لا بد من وقفة تقييم وإعادة الحسابات.
ما يحدث في سوريا هو حرب إبادة يقودها النظام ضد شعبه. حرب ضحاياها هم أطفال ونساء ورجال سوريا. ولكن هذه الجرائم لم تحرك قصبة لدى قائمتنا المشتركة. حتى القبور لم تصمت عن أبشع جرائم القرن. مهما كانت اجتهادات تحليل الأوضاع في سوريا مختلفة فهي ليس مبررًا لسكوت القيادة وغياب صوتها.
سنتان ولم نسمع من المشتركة موقفا (لا إنسانيًا ولا سياسيًا) موحدا يدين تلك الجرائم. هذا السكوت الذي يشكل ثمنًا للحفاظ على هذه الشراكة هو وصمة عار وفضيحة ببث مباشر لقائمة تصبو إلى تمثيل شعبنا. أما عن لجنة المتابعة (الهيئة العليا للجماهير الفلسطينية في الداخل) فحدث ولا حرج.
المطلوب من القيادة عامة (وبالذات قيادة أقلية قومية تتعرض لحرب تشويه هوياتي وسياسي واخلاقي) هو أن تشكل بوصلة إنسانية واخلاقية وقيمية لشعبها أولا، ومن ثم بوصلة سياسية. أنا مشتركتنا ومتابعتنا فلا هي بوصلة قيمية ولا هي بوصلة سياسية.
سنتان على المشتركة وعقود على المتابعة والانجاز الوحيد الملموس الذي يمكن الإشادة به هو التصريحات والتنديدات والاستنكارات والخطابات، وحتى هذا غاب في حالة سوريا. أطنان من الجعجة وصفر من الطحين.
النجاح الوحيد الذي تواصل مشتركتنا إنجازه هو صراع البقاء – بقاء الكرسي، وماذا عن بقائنا نحن؟
المظاهرة ليس انجازًا إن لم تحقق شيئًا، والإضراب الذي لم يحقق ولو هدفًا واحدًا من الأهداف المعلنة يتحول إلى عبء على الجماهير ومضيعة للوقت.
نعم نحن نواجه حكومة فاشية ونظامًا عنصريًا يحاربنا ويلاحقنا وينتهك حقوقنا. ولكن أليس هذا وضع جميع الأقليات؟ هل نقرأ لكم التاريخ عن إنجازات بطولية خطتها العديد من الأقليات في العالم في ظل ظروف شائكة وأقسى من ظروفنا؟. هل نجحت مشتركتنا في تحسين أوضاع تعليم أولادنا؟ هل نجحت مشتركتنا في منع هدم بيوتنا؟ هل نجحت المتابعة في معالجة العنف القاتل في مجتمعنا؟ هل نجحت مشتركتنا في حماية شبرًا من أرض النقب وبقية أراضينا من مخالب التهويد والمصادرة؟ نائب في المشتركة يستطيع التوسط من أجل طلابنا في بلد أجنبي، وبعضهم ينجح في توفير "مكرمات" ملكية هي منح دراسية لطالبنا في الخارج. وماذا عن هنا؟ لا شيء.
حين تكون النتيجة صفر كبير يكون العيب إما في الشخص أو في الأدوات التي يستخدمها. وحيث تختفي الإنجازات الملموسة على مدار عقود تكون العلة في الشخص وفي أدواته.
إذا كان البرلمان الصهيوني ليس ساحتنا للنضال فلماذا أنتم هناك؟ مراجعة سريعة لما استطاع شعبنا تحقيقه على مدار العقود تبين أن النجاح جرى بعيدًا عن كراسي الكنيست وأنجز بفضل نضالات شعبية خارج برلمانية.
لقد شبعنا من جعجعة الشعارات والخطابات والتبريرات المنسوخة المتكررة منذ عشرات السنين، والتي لم تنتج لنا ولا حبة طحين واحدة.
آن الأوان لإعادة النظر في عملكم وأدواتكم. والقيادة التي لا تستطيع التلويح بإنجاز واحد عليها التنحي وإخلاء الساحة لغيرها. فلا نهجًا قيميّا وانسانيّا نجحتم في استدخالها لدى الأجيال المتعاقبة، ولا بيتًا واحدًا أو شبر أرض نجحتم بحمايته.
أنا لن أصوت بعد لمشتركتنا من أجل صراع بقاء كراسيها بعد اليوم، ولا أرى أن المتابعة تمثلني طالما تمسكت في نهج ترقيع الثوب ولم تتحول إلى برلماننا المنتخب.
سأضع جهودي مع جهود غيري لاستبدال هذا النهج. استبدال انعدام الرؤيا والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى لبقائنا!
لا نريد جعجعة قد تلهب المشاعر ولكنها تصم الآذان. نريد الطحين كي نخبزه!