طحّان ما بغبّر عكلاّس
بقلم : د. نجيب صعب – ابو سنان
الامثال الشعبية والمقولات الاجتماعية التي بدون ادنى شك رأت النور حتماً حيث كانت وليدة اللقاءات الاجتماعية العائلية في الأسرة المصغرة والكبيرة والموسّعة ,وربما في المحيط والقرية والمنطقة , وخلال هذه اللقاءات ما من شك انها قيلت او ولدت بين ظهرانينا وبالأحرى في احضان السالفين على مر الايام والعصور والذين تركوا لنا ثروة غنية بالمعاني والتوجيهات
الاجتماعية والتثقيفية والتي سيدركها الابناء جيلا بعد حيل .
وقد يقوم نفر من الناشئة باتخاذ من معانيها العميقة نهجاً مغايراً ويمكن ان تكون عواقبه غير مرضية وغير مقبولة في بعض الاحيان .
وفي هذا السياق " طحّان ما بغبر عكلاّس " المعاني عميقة جداً وتنطوي على مضاعفات وأبعاد متشعبة وتنطبق في كثير من الاحيان على بعض التصرفات التي يقوم بها نفر من الناس بمختلف نواحي الحياة ايجابية كانت ام سلبية .
وكثيرون من افراد المجتمع من كبار القوم الذين يعتبرون أنفسهم من كبار الكلاّسين المحترمين والمتمرّسين في لعبة الحياة ويتصفون بخطوات استراتيجية لإبقاء الكرة السياسية , الاجتماعية , الثقافية وربما الدينية , يعتبرون انفسهم من الضليعين في هذه المجالات ويتحدون كل من ينوي المبارزة او يحاول واحد من هؤلاء المستزعمين أو الذين يدّعون القدرة على التأثير , الإساءة أو انتهاج طريق غير مستقيم في الخفاء وقد يكون مِعْوَجاً لكسب الثقة في أمر معين على الساحة
الاجتماعية .
وبدون عناء يذكر يمكن للمرء صاحب النظرة الثاقبة ان يدرك وعن قرب وربما عن بعد وبسهولة متناهية التنافس الهادي بين المجموعات الانسانية وكأن الامر يشبه حرباً باردة تتطاحن فيها الأفكار والأنانيات , وقد يطغى في بعض الأحيان الطحّانون لفترة وجيزة على الكلاسين طبعاً حسب رأيهم هم ... ولكن الادراك الصحيح والاعتبار السائد والمتفشي في ثنايا المجتمع يؤكد انّ الطحين مهما تراكم لا يمكنه ان يطغى على الكلس , حيث يبقى الكلس كلساً والطحين طحيناً ولكلٍ صفاته المعهودة .
والامثلة عزيزي القارئ في هذا المجال لا حدود لها , ولا يمكن حصرها أو احصاءَها , فالمجتمع يزخر في الأمثلة التي تؤكد ذلك فعلى سبيل المثال .
يأتيك انسان متمرّس في الحياة وقد أكل الدهر عليه وشرب وربما عصرَهُ وصقل منه انساناً
فهلوانياً وخلال فترة حياته تمكّن من التعلّم كثيراً في الادراك , في اتخاذ القرار , في الرأي السديد الذي امتلكه على مدى سنين حياته ومن خلال تجاربه الجمّة في شؤون كثيرة ومتنوعة حتى يقول الكلمة الحقّة التي لا غبار عليها .
وفي المقابل يأتيك انسان آخر لا يزال في مقتبل العمر ويمكن ان يكون قد أكل عليه الدهر ولم يشرب بعد , ولا يزال في طور الطحين الذي يمكن ان يغبّر على الكلس مهما تراكم ولا يمكن ان يتغلب على الكلاس المتمرّس لأنه من باب الادراك والتجربة في الحياة طرياً وعظمه طري
ايضاً رغم انّه يدعي كثيراً فوق امكانياته من دروب شتّى في الحياة , ومهما عَظُمت الأمور وتعالت الأصوات الهادئة يبقى الطحين كما هو والكلس كما هو .
-1-
وخلاصة القول اعزائي القراء من ينظر الى المجتمع نظرة ثاقبة موضوعية صادقة يمكنه ان يرى , يدرك , يلاحظ التصرفات التي يقوم بها نفر من الناس من مختلف المناصب والمسؤوليات والنواحي الحياتية ويتيقن كذلك وبسهولة ويدرك بنفسه مدى التلاعب والمكايد , والمؤامرات والطعن في العلانية وفي غالب الأحيان بالسر والكتمان , والذم والقدح بهذا وذاك , والأنكى من ذلك اللعب على اكثر من حبل , ويلعبوها بالترحاب والاحترام والكلام المعسول
بأم العروس ويسحجون لأبي العريس ليحظوا بالاحترام ولو كان هذا الاحترام كاذباً !!!
ولا تدرك هذه الفئة من البشر انها بمثل هذا التصرف تفقد كرامتها , وترمس قيّمها ان وجدت ولربما تفضح عاجلاً ام آجلاً مكايدها لتتأكد بأم اعينها ان صحبتهم هذه قد تتطاير في الهواء ويبقى الكلس كما هو ناصع البياض ويصدق عندها القول " طحّان ما بغبر عكلاّس " .
ومجمل القول : هناك حاجة ماسّة لإطلاق نداء هادئ وثاقب ذي معنى موضوعي مترفع عن الغايات الشخصية الفئوية والجماعية والمآرب الفارغة , نداء جميعنا بأمس الحاجة اليه , وخاصةً في صفوف وثنايا وشرائح وأطياف المجتمع , نداء مجرد من المكايد الخبيثة التي يشهدها كل صاحب ضمير حي في هذا المجتمع .
ويمكن حصر النداء هذا فيما يلي : أخاطب جميع الأفراد والقيادات الفاعلة في صفوف المجتمع على اختلاف مخصصاتها ومعالجاتها اليومية , أخاطب كل هؤلاء وغيرهم من ذوي المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة وكذلك أصحاب المناصب وذلك استناداً الى ما يتطلب الوضع القائم من علاج امين وتعاون بناء ووقفة اخوية صادقة ان يعمل الجميع بجدية , بأمانة , وبدون تبييت الواحد للآخر , في نطاق لؤم وخبث وعدم صراحة , وأقول باهتمام بالغ :
يجب العمل يداً واحدة لأنّ يد الله مع الجماعة اذا صدقوا في أعمالهم , في نشاطاتهم , في رسالتهم الاجتماعية , اما الاعمال الانفرادية النابعة من الانانية لا تعود على المجموع بالخير
وربما تجلب الويل لا سمح الله .
وأخيرا يناشد البيان المختصر هذا الجميع ومن جميع المستويات الامتثال الى الايمان والصدق وحفظ الاخوان وصدق اللسان الامر الذي نبع وينبع في كل حين من مبادئ الموحدين الأصيلة والصادقة عليه العمل بموجبها , عندها في نظري يمكن ان تكون الامور في طريقها الصحيح والله بعون العبد ما دام العبد في عون اخيه .
-2-