إبن مروان برغوثي يشرب [مي وملح] باسم أبيه جدعون ليفي   ترجمة: أمين خير الدين
06/05/2017 - 07:52:19 am

إبن مروان برغوثي يشرب [مي وملح] باسم أبيه

جدعون ليفي

هآرتس 2017/5/5                                            ترجمة: أمين خير الدين

      من سان فرانسيسكو يدير عرب برغوثي، ابن الأسير  الفلسطيني المشهور، حملة  تضامن عالميّة  مع المضربين عن الطعام التي يقوم بها الأسرى والتي يقودها والده. يقول: " مَن احترم نيلسون منديلا  ينبغي أن يحترم والدي".

       هو ابن صديق. كان طفلا في سنوات ال – 90 عندما تعرّفت بوالده، مروان برغوثي، وكان صغيرا عندما اعْتُقِل والده وحُكِم عليه بخمس مؤبّدات بإضافة 40 سنة كأحكام متراكمة. آخر مرة التقيت بوالده حرّا في نوفمبر 2001. حينها كان مطلوبا. يدٌ مجهولة لطّخت في الليل نوافذ الشقّة التي يختبئ بها والتي كان من المفروض أن نلتقي بها فاستبدلت بشقّة أخرى. والتقيته للمرة التالية في المحكمة المركزيّة في تل أبيب.

     ابنه الشاب، عَرَب برغوثي، كان عمره 11 سنة عندما اعْتُقِل أبوه، الآن هو طالب جامعي عمره 26 سنة، مع كوفيّة حديثة يجلس لمحادثة سكايب من مكان إقامته في سان فرانسيسكو.  جرت المحادثة هذا الأسبوع، عشيّة يوم الاستقلال. وقد عَلَت أصوات المفرقعات في تل أبيب على صوته بما يشبه منظرا سرياليا: محادثة مع ابن "سيّد المُخرّبين" كما يسميه الإسرائيليون، ومن يعرف والده يعرف أنه كان رجل سلم ملتزما، ومن المؤكّد أنه لا زال كما كان رجل سلام، ابنه يتعاطف مع كلّ مواقفه.

    أنهى برغوثي الابن علومه في كليّة  Saint  Mary's في كاليفورنيا وحصل على اللقب الثاني في الإدارة الماليّة والاستثمار، وينوي العودة إلى فلسطين. وتنتظره في رام الله عدة اقتراحات للعمل. لا ينوي السير في طريق والده السياسيّة، خاصّة كي لا يزيد من عذاب والدته، فدوى. "العمل السياسي  عندنا معناه السجن وهي قد تحمّلت بما فيه الكفاية"، هذا ما قاله  وهو في سان فرانسيسكو. إلى هناك وصل عملا بنصيحة والده، حين ألحّ عليه من السجن أن يسافر خارج البلاد. لكنه أوّلا أنهى  تعليمه للقب الأول في الاقتصاد في جامعة  بير زيت التي تعلّم بها والده العلوم السياسيّة.

دبابات في رام الله

   أولى ذكرياته عن أبيه كانت في إجازة في تونس سنة 1998 أو 1999. يقول إنه في حياته لم ير أباه مسرورا قبل ذلك، وطبعا لم يره مسرورا بعد ذلك، لم ير أباه سعيدا هكذا. عندما التقيتُ مروان في نوفمبر 2001 كانت الدبابات  في رام الله، قال لي حينها إنه كان مع أبنائه قبل شهر في السفاري [حديقة الحيوانات] في رمات غان. وهكذا دار الزمان، لم يرَ عَرَب أباه قبل اعْتقاله بثلاثة أشهر في 15 نيسان 2002 لأنه كان مُخْتبئا.

   في نوفمبر 2001 مررنا أمام البيت، وقد أشار مروان على البيت، ألقى عليه نظرة وصمت. على الأرجح أن الأولاد كانوا في البيت، لكنه لم يجرؤ على الدخول.  كان مقتنعا أن إسرائيل قررت مصيره بالتصفية. قال لي وهو يجلس في السيارة الصغيرة مع حارسيه، غير المسلّحيْن، "أنا خائف لكنني لستُ جبانا".  وكان المارة يلوّحون له بالسلام بأيديهم.

    قبل ذلك بأربع سنوات، في يوم الأرض 1997. مررنا بين العجلات المحروقة فسألني: "متى تُدْرِكون أن لا شيء يخيف الفلسطينيين كالمستوطنات؟". وقد اقتبس ما قاله صديق: "أنتم الإسرائيليون لكم حاضر وليس لكم مستقبل ، أما نحن الفلسطينيون لنا مستقبل وليس عندنا حاضر، أعطونا الحاضر لنعطيكم المستقبل". وعند مشاهدة الدبابات المرابطة في آخر الشارع قال: "لا أحد يستطيع كسر إرادة شعب بالطرق العسكريّة". 

    دائما كان يلفظ كلمة كيبوش (احتلال) بباء خفيفة. ربما يكون قد تعوّد في سنواته الأخيرة في السجن أن يلفظ الباء مشدّدة. كان مروان من مشجعي فريق كرة القدم  هبوعيل تل ابيب وقال إنه يخاف أن تأتي لحظة يفقد فيها الفلسطينيّون الأمل. الآن يخوض معركة الإضراب عن الطعام من أجل الحصول على معاملة إنسانيّة لآلاف الأسرى الفلسطينيين. هذا ليس الإضراب الأول عن الطعام الذي يقوده في السجن، لكنه الأكبر.

مَيٌّ و ملح

في الأسبوع الماضي أطلق في الفيسبوك ابنه عَرَب حملة، "تحدٍّي مي  وملح"،   في هذه الحملة يتناول مشاهير عرب وآخرون المي والملح أمام الكاميرات، كرمز للتضامن مع المضربين عن الطعام وهذا يشكَل غذاءهم الوحيد، وقد يُكْمِل يوم الأحد القادم الأسبوع الثالث من الإضراب، عَرب  قلق على والده. وقد مضى أسبوعان ولم يره أحد، باستثناء سجّانيه، بعد أن مُنِع محاميه من زيارته. "أبي قوي  لكنه هذه السنة يكمل السنة أل – 58 من عمره فهو ليس صغيرا في العمر"، ويقول أيضا "سيؤثر الإضراب على صحته وآمل أن تبدي مصلحة السجون مُعاملة إنسانيّة  وتتوقف عن غطرستها، لأنهم لا يتفاوضون مع والدي. الأسرى لا يطالبون بالكثير، يريدون قليلا من الشروط  فقط".

   عندما اعْتُقِل  والده كان عرب في بيت عمّه في قرية  كوبار،  حيث وُلِد  والده.  ويذكر أنه رأى الاعتقال المبثوث  في التلفزيون فانفجر بالبكاء. كانت أسوأ لحظة بحياته، لن ينساها أبدا.  ولم يفكر أن هذه اللحظة ستكون طويلة هكذا. التقى بوالده لأول مرة بعد ثمانية اشهر  في السجن، مع أخيه شرف والذي يكبره بسنة. يقول: "أذْكر أنني كنت خائفا، اجتزنا حوالي 20 بابا. كان والدي في الانعزال وعندما وصلنا إليه كان يحرسه سجّانان، من جانبنا ومن جانبه وكان كثير من الكاميرات حولنا. أُعْجِبت بتشجيعه وبمواساته لنا. لم يرغب في إبداء أيّة علامة ضعف أمامنا. هو إيجابي دائما. أدركت حينها مدى العذاب والتحقيق الذي يعانيه، كعادته لا تفارقه البسمة وكان همّه أن نشعر بالارتياح".

   أخِذ عَرَب مرة واحدة إلى المحكمة التي تنظر في قضيّة والده، وقد صفعه أحد أبناء ضحايا الإرهاب على وجهه، وحتى بلغ أل 16 من عمره كان يرى والده مرتين في الشهر. 20 ساعة من خضخضة السفر إلى سجن بئر السبع، من أجل 45 دقيقة خلف القضبان. بعد أن كمل أل – 16 سنة تقلّصت الزيارات إلى مرة واحدة في السنة. وقد سمحت له إسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة بثلاث زيارات. الآن لم ير أباه منذ سنتين، وقد رُفِضت كل الطلبات التي تقدّمت بها أمه من أجله،  أخته تزور أباه مرتين في السنة. في إحدى المرّات  حملت معها ابنتها تاليا، وكان عمرها ثمانية أشهر، ولم يسمح لها السجانون بإدخالها بحجة أنها ليست قريبة من الدرجة الأولى. عمر تاليا الآن أربع سنوات وأختها ساره رضيعة، ولم تلتقيا جدهما أبداً سوى بالصور.  

   يذكر عرب زيارته الأخيرة في سجن هداريم، قبل سنتين: رأيت الشُعيْرات البيضاء التي ظهرت فجأة في ذقنه، وِشعر أبيض كثير في رأسه. ورأيت احمرارا شديدا في عينيه، بصراحة، رأيته يشيخ، كلٌّ منّا يظن أن زياراتنا له تشد من أزره، لكنه في الحقيقة هو الذي كان يشدّ من أزرنا. هذا الرجل يمكنه أن يبث التفاؤل والقوّة لشعب كامل. كل الطريق وأنا أفكٍّر كيف سأُشجِّعه وعندما التقيت به هو كان يشجّعني. كلمني عن المستقبل، دفعني لأن أتعلّم، كان أستاذي في الحياة. شجعني لأن أدرس وفي كل مرة كنت اجلس للدراسة أتذكّر ابتسامته"

 لا يطلب كثيرا

      قلت له، أدين أبوك بمحكمة مدنية في إسرائيل بخمس جرائم قتل. ومن الواضح أنه بنظر الإسرائيليين إرهابي. " كانت هذه محكمة سياسيّة تفتقر للبيّنات والأدلّة. كان والدي واقعيا وواضحا: لقد أنكر كل الاتهامات وادّعى أنها محكمة سياسيّة. وأُدين بخمس مؤبّدات. وأيضا منديلاّ أدين بالسجن المؤبّد".

      أبي رجل سلام، سعى دائما للسلام، الشيء الوحيد الذي لا يتنازل عنه حقوق شعبه، اسأل أيّ فلسطيني، ليس فقط في فلسطين  إنّما في كل العالم – 90% يوافقون على أن سياسة والدي وسعيه للحل هما الطريق الصحيح. لم يطلب كثيرا،  لكن حكومة إسرائيل لا تريد مَنْ يطالب بحق الشعب الفلسطيني. وهو في السجن أيضا  يطالب بالسلام. لكن الإعلام الإسرائيلي يُظْهِره كإرهابي. وقد أظْهر نيلسون منديلا  كإرهابي. وأمضى 27 سنة في السجن،  وبعدها أصبح بطلا وأُعْطي على جائزة نوبل للسلام. والدي إرهابي بالضبط كنيلسون منديلا.

   أريد أن أقول للإسرائيليين: إن كُنْتم تحترمون منديلا، يجب أن تعرفوا أن والدي يُعيد حكاية منديلا". وإن كنتم لا تحترمون منديلا – لا يعنيني بماذا تفكرون. أنا متأكّد أنه سيصل الإسرائيليون يوما إلى نتيجة أن السلام هو الحل الوحيد، ولن يكون لهم شريك مثل والدي. سيأتي يوم ويعرف فيه الإسرائيليون مَن هو مروان برغوثي".

    ماذا تقترح على أبيك أن يفعل؟ "لا شيء. عندما أُمْعِن النظر به وبطريقه أدْرِك أنه كامل. والدي ليس مسالما وليس إرهابيا. والدي إنسان عاديٌّ يناضل من أجل حق شعبه،  كنتُ أتمنى لو أنه ليس في السجن. هو إنسان يضحّي بحياته من أجل العدل، وهذا شيء نبيل. إننا نعيش مرة واحدة بينما هو اختار أفضل الطرق ليعيش حياته".

2017/5/5

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق