هذا ما سيحدث للفلسطيني الذي يرفض التعاون مع المخابرات العامة
جدعون ليفي وأليكس ليبك
هآرتس، 2017/5/12 ترجمة: أمين خير الدين
سنة تقريبا وطاهر يعقوب عالق في الضفة الغربيّة، وحده بلا شيء، اقترحوا عليه من المخابرات العامة أن يتعاون معهم مقابل تصريح له بالخروج، ولمّا رفض، رُفِضت كل طلباته بالعودة لأحضان عائلته في الأردن.
بالنسبة للفلسطينيين هذه حكاية روتينيّة، كثيرون مثله، الإسرائيليون تقريبا لا يتعرّضون لهذا الروتين المتعفن. طاهر يعقوب هو أسير صهيون: سنة وإسرائيل تمنعه من العودة إلى بيته في الأردن، بعد رفضه لاقتراح ابتزاز من جانب المخابرات العامّة، ليتحوّل لعميل لهذا التنظيم مقابل مُصادقة على خروجه من البلاد. منذ لقائه المصيري مع العميل "حامي"، تغيّرت حياة يعقوب كثيرا: من رب عائلة، من تقنيّ إنتاج، تحول إلى عامل مسحوق، مقطوع عن زوجته وعن أطفاله الثلاثة. ذنبه الوحيد: إنه رفض اقتراح العميل، اقتراح لا يمكن رفضه في الأراضي المُحْتلّة.
أخذناه هذا ألأسبوع من مكان عمله الجديد: من مصنع كوكاكولا في بيتونيا قرب رام الله حيث يعمل هناك منذ ثلاثة أشهر كتقني إنتاج. جلسنا في الفناء الخلفي لدار تُبْنى في رام الله وهي تابعة لصديق، إنه يسكن بشقّة صغيرة مكوّنة من ثلاث غرف، مع اثني عشر عاملا، ولا يمكنه أن يستضيف أحدا بها وقد سرد علينا حكايته بالتفصيل، وللحظات ترقرقت بالدموع عيناه.
عمره 34 سنة، وُلِد في بيت ريما في الضفة الغربيّة، متزوّج وأب ل 3 أبناء، بَيْلَسان عمرها ستّ سنوات، وسان عمرها خمس سنوات ومحمود ثلاث سنوات. انتقل والده في السبعينات من القرن الماضي من بيت ريما إلى الأردن، ومن حينه والعائلة تسكن هناك، وقد جاء في الصيف الماضي لزيارة أقاربه الباقين في بيت ريما.
في 2010 اقترن يعقون من ابنة قريته وابنة عمّه، كافا عمرها( 24 سنة)، وقد استقرا في الرصيفه بالقرب من مدينة الزرقا في الأردن. لدى يعقوب بطاقتا هويّة بطاقة أردنيّة وبطاقة هوية من الأراضي المحتلّة. عمل يعقوب في مصنع لبيبسي كولا في الأردن، اعتاش جيّدا وربّى أبناءه، جاؤوا مرتين لزيارة أقاربهم في بيت ريما، ولم تحدث مشاكل. جاؤوا في الصيف الماضي مرة أخرى للزيارة. وعندما وصلوا في 16 تموز إلى جسر أللنبي، أخذ رجال الأمن الإسرائيليين منهم جوازات السفر وأمروهم بالانتظار في غرفة خاصة. بعد ذلك صادروا منهم 1040 دينارا و- 2000 دولارا كانوا معه ومع زوجته. يقول إنه أحضر هذا المبلغ ليموّل مصروفات تسجيل الأرض التي أورثها جدِّهم لأبناء العائلة في بيت ريما. وبعد ثلاث ساعات بدؤوا بالتحقيق معه عن مصدر هذه النقود وما الغرض منها، أخذ الأولاد بالبكاء، ولم يسمحوا لهم حتى بالذهاب إلى المراحيض.
عند المساء سمحوا لزوجته ولأبنائه بمتابعة سفرهم، لكنه لم يكن معهم نقود للوصول إلى بيت ريما. قالوا لهم "تدبّروا" أمركم، صادروا من مسافر آخر، جهاز المحمول الخاصّ به، لأنه صوّر الأولاد وهم يبكون، التصوير ممنوع على الجسر. اتُّهم يعقوب بأنه أحضر النقود ليسلّمها لمنظمة إرهابيّة. أعمامه نشيطون في حماس. حاول يعقوب أن يشرح لهم إنه لا علاقة له بالإرهاب وخاصّة بهؤلاء الأعمام، بدون جدوى. إذا كنتم تريدون اعتقالي، اعتقلوني، القوّة بأيديكم. وأنا ضعيف" هذا ما قاله لهم بعد أن خارت قواه من عناء اليوم الطويل الذي بدأ منذ طلوع الفجر في بيتهم في الأردن.
قُيِّد يعقوب بيديه وبرجليه وأُخِذ إلى مركز الشرطة في معاليه أدوميم. وهناك خضع للتحقيق لعدة ساعات عن النقود التي أحضرها وعن أعمامه. اقترح عليه شرطي كأس ماء، لأوّل مرّة منذ الصباح يتذوّق شيئا. في النهاية طُلِب منه أن يوقّع على مستند باللغة العبرية، لغة لا يفهمها. رفض يعقوب. شرح له الشرطي أنه كتب في المستند أنه لم يخضع للعنف أو للضغط خلال التحقيق، قال له يعقون إن رؤية الأولاد وهم يبكون وإرسال أمهم، يُعْتبر من وجهة نظره عنفا وضغطا: كطعنة سكين في القلب.
في نهاية الأمر وقّع على المستند. واستلم مصادقة عن مصادرة نقوده منه – تقريبا كلّ توفيره. وبعد ذلك أُخْلي سبيله وأُرْسل في طريقه، لم يعرف أين هو موجود وليس في جيبه قرش واحد. "تدبّر أمرك" قالوا له. وصل إلى بيت ريما في الليل، بعد أن جاء قريبه ليأخذه. ظنّ أنه بهذا انتهى عذابه ولم يدرك أنه بهذا بدأت المتاعب.
انتهت العطلة بعد مرور أسبوعين وعادت العائلة رائقة المزاج إلى الجسر. قبل ذلك تأكّد محامٍ كان قد استأجره(كي يستعيد نقوده التي صودرت) أن يعقوب يمكنه أن يعود لبيته في الأردن. ومرة ثانية طُلِب منه عند الجسر أن ينتظر. وبعد مضي ساعة أخبروه أن بإمكان زوجته وأبنائه أن يسافروا إلى الأردن أمّا هو ممنوع من السفر. "أنتم تضحكون منّي"، قال لرجال الأمن، ولم يعرف مدى الحديقة في ما سمع من القول.
أُرْسِل يعقوب إلى مكتب المخابرات العامّة [الشَبَاك] في مُعسكر عوفر. "أتشرب شيئا؟"، بعد الانتظار سأله العميل الذي قدّم نفسه باسم "حامي"، قائد منطقة رام الله والبيره. " كيف كان عملك بالخضراوات مع أعمامك؟ أترى، نحن نعرف كلّ شيء عنك". وهكذا استمررّت المحادثة ألودّيّة القصيرة والممتعة. وعندئذ قال المدعو حامي: فقدت عائلتك، وأضعت عملك، ودمّرتَ حياتك. كيف تشعر مع هذا؟ تعال نتكلم قليلا. قُلْ لي عن أعمامك". أجابه يعقوب" ليس لدي ما أقوله لكَ عنهم. أنا آتي إلى هنا مرة كل سنتين. أنت تعرف عنهم أكثر منّي. إلا إذا كان عندكم شيء ضدّي - قُلْهُ. إذا كنتَ تريد منّي شيئا – قُلْه. اعتقلني إن لَزم الأمر. وإلاّ، دعني أسافر إلى عائلتي.
أجاب حامي ليست لديه نيّة باعتقال جليسه، لا سمح الله. "أنا سأدعك تسافر"، قال العميل بعذوبة، أريدُ فقط شيئا واحدا: أن تتعاون معنا. فقط خذ رقم هاتفي واتصل بي عندما يكون لديك ما ستقوله". رفض يعقوب. "قلت لكم كلّ ما عندي"" وأضاف، "أنا صفحة بيضاء. لم أتعاطَ السياسة بحياتي، لا تورّطني.لا أريد رقم هاتفك". فقد حامي هدوءه، ويكرر يعقوب: "قال، أتأخذ رقمي أم لا ؟ إذا لم تأخذه – عُدْ لبيتك ولن تعود إلى الأردن. أبدا".
تضررت العائلة كلّها
"هكذا بدأت المأساة"، يقول يعقوب بصوت منخفض. "ليس لدى أبنائي نقود للدراسة، أخي، كان يتعلّم في الكلية، اضطر لترك دراسته ليعيل العائلة، أنا الأخ البِكْر، توفى والدنا سنة 2006 ومن حينه أنا أُعيل بالإضافة إلى زوجتي وأبنائي أمّي وأخواتي وأخي أيضا. ألآن حياتنا دُمِّرت. كلنا نعاني مُعاناة صعبة، أنا مسْتعد للعمل بأيّ عمل كان لأعيل عائلتي. كان لدي عمل جيّد في الأردن وهنا ليس لديّ شيء". عَمِلَ في البداية كعامل بناء مقابل 70 شيكل في اليوم، وعمل بعد ذلك كعامل في مصنع للأدوات الكهربائية مقابل 1300 شيكل في الشهر. يتقاضى في مصنع الكوكاكولا 2000 شيكل في الشهر، يبعث بمُعْظَم أجره لزوجته. يقول إنه يعيش ب -15 شيكل في اليوم، كي يوفِّر لأبنائه. لا يمكنه أن يبقى لمدة طويلة في بيت ريما ، لأنه لدى عمّه 24 ابنا من زوجتين وليس هناك مكان له. لذلك يقيم في شقة بائسة للعمال في رام الله.
في الأشهر الأخيرة سافر أربع مرّات إلى جسر أللنبي ليجرب حظّه، وطُرِد في الأربع مرات بخيبة مُعيبة. ممنوع من الخروج. تقرر في ديسمبر أن يعيدوا له النقود التي صودرت منه - هذه بيّنة على أنه لا اتهام ضدّه. "إننا نخبرك أنه تقرر أن نُعيد لموكِّلِك النقود التي ضُبِطَت معه" هذا ما كتبه العريف ميخائيل المساعد القضائي في قسم الأمن الجنائي، باسم المستشار القضائي، للمحامي الذي وكّله يعقوب. وقد ذُكِر في الإشعار رقم التلفون الذي يُمْكِنه الاتصال به، لكن يعقوب لم ينجح حتى يومنا هذا من الاتصال بالرقم المذكور، وبعد الاستفسار من منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة، اتضح أن المبلغ الذي صودر قد تحوّل إلى حساب محاميه، وليد خطيب، وهذا المحامي لم يُطْلِع مُوكّله على ذلك. وبعد تدخّل موظَفَيَ جمعيّة بتسيلم هذا الأسبوع، كريم جبران وإياد حديد، أُعيدت النقود.
وقد أرسل لنا يعقوب هذا الأسبوع عشرات الصور لأبنائه، الصور التي يبعثها الأبناء له يوميّا. ربما يظن أن كل صورة قد تزيد من احتمال انضمامه للأولاد الذين في الصور.
وقد تلقينا ردا من المخابرات العامّة [الشَباك] : "مُنِع طاهر يعقوب من السفر إلى الخارج بناءا على أسباب أمنيّة تتعلق باشتراكه بتهريب أموال إرهاب إلى الأراضي، وخوفا من استغلال سفره إلى الخارج لاستمرار نشاطه الذي يشكّل خطرا على المنطقة". ومع ذلك، ذُكِر أنه "في ظروف الحادث، ولاعتبارات إنسانيّة ورغم الخطر الناجم عن نشاطه، تقرر منعه من السفر إلى خارج البلاد في الوقت الحاضر للالتقاء مع عائلته".
نهاية جيدة؟ أمس توجه يعقوب إلى مديريّة التنسيق والارتباط في بيت إيل فقيل له: رغم ردِّ المخابرات العامّة [ الشَباك] لا تغيير في الوضع – وأنه لا زال ممنوعا من السفر.
2017/5/16