معركة بدر , بين استراتيجية المكان وتخطيط النبي العدنان صلى الله علية وسلم.
بقلم : طارق بصول.
بسم الله نحمده حمداً يوازي نعمه ويدفع نقمته ويكافئ مزيده ونصلي ونسلم ونبارك على قائد ألامه سيدنا محمد ابن عبد الله.
بعد ان استقر المسلمين في المدينة المنوره وإقامة دولة الاسلام فيها على يد سيدنا محمد صلى الله علية وسلم توجهت انظاره الشريفه الى مكة التي تغطرس فيها رؤساء القبائل وتحكموا بسكانها , فقد سعى دائماً لنشر دين الحق وإخراج الناس من الظلمات الى النور فبعثه الله سبحانه وتعالى رحمه لكل كائن على الارض لقوله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "( الأنبياء:107). في هذا المقال سوف نقف عند معركة بدر من الجانب التاريخي من حيث استراتيجية المكان وتخطيط النبي العدنان صلى الله عليه وسلم بتقسيم المهام بين الانصار والمهاجرين.
نظرة جغرافية لمنطقة بدر :
تقع ابار بدر بين مكة والمدينة المنورة ( جنوب غرب المدينة), انشهرت هذه المنطقة بكثرة الابار وسميت بهذا الاسم لان شكلها يشبه البدر في منتصف الشهر فشكلها دائري ورمالها صحراوية صفراء.
قريبة على سواحل البحر الاحمر الشرقي , لهذا تسقط فيها كميات كبيرة من الامطار.تبتعد عن المدينة 258 كلم وعن مكة 403 كلم.
مبنى التضاريس : تحيطها عدة جبال, عند تساقط الامطار تتجه نحو المنطقة الاسفل, مع مرور الزمن الجيولوجي مرت المنطقة بعملية تبلية كيميائية وكونت الابار.
كون المدينة تقع على خط المواصلات بين مكة في الجنوب والشام في الشمال استغل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الميزة الاستراتيجية وقام ببناء خطة مثيلة للموقع الجغرافي من خلالها يتم التعرض لقافلة ابي سفيان المتجهة نحو الشام فقد ادرك سيدنا الرسول على الصلاة والسلام ان اكثر ما يعشقه المشركين ويحرك بهم ساكناً هو اموالهم فقد رغبوا الدنيا ونسوا الاخرة , لهذا وبعد الاستعانة بالله العلي العظيم قام ببناء خطة تعتمد على الاستكشاف ومن ثم التعرض للقافلة,في البداية لم يتمكن المسلمين بالتعرض للقافلة خلال ذهابها من مكة الى الشام مما جعلهم يتحضروا لإعادة الكرة مره اخرى عند ايابها من الشام وأرسل للاستكشاف بمنطقة الحوراء شمال المدينة كل من طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد زوج فاطمة اخت سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه , لم يكن اختيار هاذيين الصحابيين القرشيين عبثاً بل من نابع استراتيجية للحرب :
أ- كلاهما من قريش ولم يعرفهم احد من المحيط الجغرافي للمدينة ليُشك بأمرهم او يتعرض لهم احد, بالمقابل كونهم من قريش فقد يستطيعون التعرف على قافلة ابي سفيان كونها حضرت من قريش.
ب- تحتاج عملية الاستكشاف الى معرفة المنطقة وسرعة التحرك , طلحة ابن عبيد الله عمل في التجارة وسافر تكراراً ومراراً الى الشام ويعرف المنطقة , وكلا الصحابيين يتقنون الفروسية وسرعة التحرك خلال عملية الكشف.
بعد ان وصلا بالخبر لسيدنا محمد علية الصلاة والسلام بوصول القافلة , قام النبي صلى الله علية وسلم ببناء خطة استراتيجية تلائم عملية التحرك نحو الغرب واختار رجل من الانصار اسمة البسيس الجهني من اجل استكشاف الطريق الى بدر التي تقع على بعد 258 كلم غرب المدينة وخرج مع ثلاثمائة وسبعة عشر رجل من المدينة نحو منطقة بدر , واصدر قرار اداري - سياسي بموجبه ابقى في المدينة كل من الصحابي القرشي عبد الله بن ام مكتوم ( اعمى) ليكون امام المدينة خلال غيابه وابو لبابه الانصاري اميراً على المدينة كونه يعرف البلدة من حيث سكانها وجغرافيتها.
بين هنا وهناك استطاع ابي سفيان استغلال المنطقة الجغرافية والتملص من خلف الجبل الاسفل غربي بدر قوله تعالى :" وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ " ( الانفال -42) والهروب من قبضة جيش المسلمين, في نفس الوقت خرجت قريش بقيادة عمر بن هشام ( ابو جهل ) مع الف مشرك لملاقاة نبي الحق علية الصلاة والسلام .
في الاسطر القادمة سوف نخوض بالتخطيط الاستراتيجي للحرب من خلال الوقوف على تقسيم المهام بين الانصار والمهاجرين , عند وصول المسلمين الى بدر اختار النبي صلى الله علية وسلم الجبهة الشمالية من المنطقة لتخييم الجيش الاسلامي , عندها اقترب منه الصحابي الانصاري الحباب بن المنذر وسأله بكل ادب ان كان الاختيار هو وحي من الله عز وجل ام مكيدة , فان كان الامر من الله سبحانه وتعالى فيجب الطاعة العمياء دون جدال او نقاش , ولكن اجابه المصطفى المختار بأنها مكيدة عندها طلب الحباب بن المنذر ( الخبير بجغرافية المكان) من الرسول علية الصلاة والسلام الانتقال الى الجهة الشرقية لسببين اساسيين :
أ- استراتيجيا : حصار ابار بدر وعدم السماح للمشركين الوصول اليها, مما يعيق تقدمهم في الحرب بالحر الشديد.
ب- جغرافياً : عند الوقوف في الجهة الشرقية فيكون ظهر المسلمين للشمس التي تقابل المشركين مما يعيق حركتهم في ساحة القتال.
تقبل النبي عليه الصلاه والسلام الفكرة بكل رحابة صدر وأشار على الجيش الانتقال الى الجهة الشرقية من ألمنطقة, صحابي اخر من الانصار اقترح فكره جغرافية اخرى تتعلق بالمكان هو سعد بن معاذ المقلب بصديق المدينة لأنه اول من استقبل وصدق النبي صلى الله علية وسلم في المدينة من الانصار , اقترح على النبي صلى الله علية وسلم ببناء له عريشه على تله العدوة الدنيا وهي تله تقع شمالي بدر مرتفعة منها يمكن مشاهده المعركة بوضوح وإدارتها بشكل ناجح وحينها يبقى المشركين بالمنطقة الاقل ارتفاع ( العدو القصوى) ومن الصعب تدبر الامر بشكل الصحيح قوله تعالى :
" إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ( الانفال -42).
بتاريخ 17 رمضان 2 للهجرة 13 اذار 624 ميلادي التقى الجيشان بصحن منطقة بدر التي تحيطها الجبال من كل الجهات , اصطف المسلمين في الجهة الشرقية شماليه وخلفهم العدوى القصوى وقابلهم المشركين بالعدوى الدنيا.
قام النبي صلى الله علية وسلم بتقسيم وترتيب وتجهيز الجيش بنمط جديد لم يعرفه العرب انذاك فقد رتب الجيش بشكل الصف المرصوص قوله تعالى : " نَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ " ( الصف – 4) وبعد ذلك قسم الجيش لثلاثة اقسام على النحو التالي :
أ- جعل الجيش تحت لواء واحد يترأسه الصحابي مصعب بن عمير ( اول سفير في الاسلام ) ورسول النبي صلى الله علية وسلم الى المدينة, اختيار مصعب ليكون لواء عام للجيش نبع والله اعلم لمعرفته للمهاجرين فهو من مكة ومعرفته ايضاً للأنصار فهو اول من ارسله النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومعرفته ايضاً للمشركين كونهم من قريش.
ب- قسم الجيش الى كتيبتين الاولى المهاجرين بقيادة علي بن ابي طالب رضي الله عنه والثانية الانصار بقيادة الانصاري سعد بن معاذ.
ج- جعل للجيش ميمنة وميسرة وولى عليها رجلين من المهاجرين ذات صلابة وقدرة في القتال والفروسية ففي الميمنة كان الزبير بن العوام والميسرة كان المقداد بن الاسود.
تحت رعاية الله سبحانه وتعالى وبحمده انطلقت شرارة الحرب عندما بشر الله سبحانة وتعالى سيدنا محمد بانة سوف ينصُر المسلمين بالمعركة بالرغم من عددهم القليل قوله سبحانة : " إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " ( الانفال -43) انتهت المعركة بحمد الله وفضلة بانتصار المسلمين قوله تعالى :" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " ( ال عمران -123).
للختام : في هذه المقالة وقفنا على التخطيط الاستراتيجي الذي اعتمد علية سيدنا محمد علية الصلاة والسلام بعد ان توكل على سبحانة وتعالى , فقد رأينا تقسيم المهام بين الانصار والمهاجرين فعندما كان الامر يحتاج الى استكشاف جغرافي كان الاعتماد على الانصار كونهم ابناء المنطقة واقرب لمنطقة بدر من المهاجرين,عندما كان الامر يعتمد على الفروسية فقد وُكل الامر للمهاجرين الذي اتقنوا الفروسية والقتال, تمخض من هذه المعركة عدة نتائج استراتيجية جغرافية :
ميدانياً : انتصر المسلمين بالمعركة فقد استشهد بين صفوف المسلمين 14 صحابي بالمقابل قتل من المشركين سبعين رجلاً وتم اسر سبعون.
ساسياً : ارتفعت مكانة المسلمين وشأنهم بين العرب.
جغرافياً : اتسع نفوذ المدى الجغرافي للدولة الاسلامية نحو الجنوب ( مكة).
اقتصادياً : نتيجة الاتساع الجغرافي ازدادت مدخولات الدولة الاسلامية من الغنائم والجباية.
الحمد لله الذي بنعمة تتم الصالحات.