* لا تكبر الله اكبر *
بقلم: الدكتور نجيب صعب – أبو سنان
يحتضن هذا الكون في صفوفه من مشارق الدنيا الى مغاربها العديد من الانواع والالوان من بني البشر ,
وكل منهم ينشغل بعمل ما , اما يكون قد ورثه عن والديه , او انه استحدثه بنفسه , او انه قد طرق ابواب
دور العلوم والمعاهد العليا بانواعها واختار له موضوعا معينا يختص فيه في حياته اليومية ويستفيد منه , او ربما يفيد الاخرين , ومنهم من يبدأ حياته بالبساطة والعمل المتواصل بشتى دروب الحياة , ذلك ليحصل على لقمة العيش الحرة , ومن ثم يتابع طريقه في الحياة بشكل تدريجي , دؤوبا مثابرا غير مكترث بمن حوله , مصمما على تحقيق الاهداف التي وضعها لنفسه من اجل العيش الكريم ولقمة العيش الحرة , وتراه ايضا متواضعا غير متكبر من منطلق القناعة الذاتية , او الايمان الاقوى , مذللا بذلك كل الصعوبات التي قد
تعترض مسار حياته , هذا النوع من الرجال بدون ادنى شك لا يعرف الكبرياء ابدا , ويبقى قريبا من ذويه ,
من اصدقائه ومن عشيرته ومحيطه ولا يفرق بين نفسه وبين الاخرين اذا صح هذا التعبير حقا .
وفي ناحية اخرى ترى انسانا جادا مثابرا متابعا ومواكبا نهج الاباء والاجداد , ويعيش في طيف الماضي من منطلق الكبرياء والتكبر , وفي معاملاته مع الغير تستشف النوايا والكبرياء وربما الاستهزاء والاستهتار او الاستخفاف بالاخرين ,رغم انه هو نفسه على قده وقد تطغى عليه افكاره , ويخطئ الظن كثيرا , وقد لا يلجأ الى الدراسة عن قرب للامور ومعرفة دقائقها كما يجب , تراه متعجرفا , متكبرا ينظر الى القوم من اعلى , ويتابع طريقه على هذا المنوال , ويوما بعد يوم يزداد غرورا بنفسه , ويقوده هذا الغرور الى امور يمكن الاستغناء
عنها , الا ان كبرياءه لا تأذن له بالتراجع او محاسبة النفس والعودة الى الجذور , الى الحجم الطبيعي .
وفي هذه الحال يترتب على امثال هؤلاء التروي واخذ الامور كما هي والا ينسى انه انسان كباقي الناس , انسان لا يمكن ان يتميز عن غيره الا بانسانيته وبمدى احترامه لنفسه وللاخرين , كما عليه ان يعلم كل العلم ويتيقن كل اليقين , ويتمشى بموجب القول ( لا تكبر الله اكبر ) , والا فان كبرياءه ستقوده حتما الى الوحدة , الى الضعف والوهن , وربما الى الزوال الاجتماعي المحتوم عاجلا ام اجلا .
واذا اردنا ان ننظر الى ناحية اخرى في المجتمع لوجدنا بيننا الكثيرين من اصحاب المهن الحرة ممن حالفهم الحظ وتيسرت امورهم المادية والاقتصادية , وتغيرت احوالهم رأسا على عقب , فجأة تراهم قد نسوا من اين اتوا ومن هم حقيقة , يصولون ويجولون , يعيشيون على الضوضاء , على العجرفة والكبرياء , ويشعرون الناس البسطاء باحوالهم , وينموا عندهم نقمة فيما بعد لتعاليهم وغوغائهم دون رصيد اجتماعي معتمدين بذلك على كثرة مالهم واحوالهم الميسرة والتي في كثير من الاحياء قد تكون آنية .
لهؤلاء اقول ايضا (لا تكبر الله اكبر) ومن نسي اصله في الامس ويعيش يومه وغده في العبث والتبذير بالثروة التي منحها الله اياها , ومن عليه الخالق بنعمته , وقد يروح بتفكيره الى ابعد ويظن انه هو الوحيد الذي يعيش في هذه الدنيا , ويتكبر على الناس ذلك في حديثه وفي تفوهاته ومعاملاته مع الاخرين , لهذا الصنف من الرجال اقول ايضا : مهلا ايها المرء انت مجرد واحد من المخلوقات ليس اكثر , يمكنك ان تتميز عن الاخرين بتعاملك وبتواضعك لا بكبريائك , لان الدهر يومان يوم لك ويوم عليك , فأن كان لك فلا تبطر وان كان عليك فاصبر , نعم يجب الا تبطر لان في ذلك امور غير محمودة قد تنعكس عليك سلبيا .
ولا عجب اذا تعمقنا في نظراتنا في الحياة والمجتمع لوجدنا وبدون عناء امثلة لا حصر لها , في الكبرياء , والتواضع والانسانية والعصبية وليونة الجانب والتعامل الحقيقي , كما نرقب ايضا في مجالات عدة في العمل الجماهيري والمهني وفي الوظيفة العادية واية مهنة اخرى , نعم نرقب اناسا يدركون مدى مسؤوليتهم ولا يشعرون احدا بالكبرياء او بالتعالي فهؤلاء يستحقون التقدير والاحترام .
كما اننا وبدون عناء نرقب اناسا مغاييرين لهؤلاء يقومون بتأدية واجباتهم في مهامهم المتنوعة بالكبرياء والعنجهية وبالوجه العبوس الذي ينم عن الاستهتار , والامثلة لا حصر لها ابدا , لاحظوا وانظروا بتروي تكتشفون الكثير الكثير ....
وخلاصة القول ايها المرء مهما تقدمت ومهما تسنمت من مناصب , ومهما علت مراتبك وكثرت اموالك وتعددت مهامك الاجتماعية مثلا او الثقافية او العلمية او السياسية وربما غيرها ايضا , عليك الا تكبر على احد , والا تنسى انك انسان عادي , فالمنصب والوظيفة والمهمة لا يمكنها ان ترفع شأن المرء اذا هو لم يحسن اتقانها ويكون بعيدا عن التكبر حيث لا يكبر الا باخلاقه , باستقامته , بامانته وبنظرته الانسانية والصحيحة للغير
دونما تكبر او عنجهية , لان الايام تدور ولا يبقى للمرء سوى طيب اعماله وحسن تصرفاته .