قد يستغرب البعض لهذا العنوان، وقد يتساءل البعض الآخر ما معنى هذا القول، وربما يفكر بعض آخر ملياً في هاتين الكلمتين ويتوصل نهائياً الى فهم المقصود ، وبعض آخر على الفور تتبلور لديه تفسيرات ربما تكون صحيحة لهذا المعنى، أو يكون قد عاشها وحسّها على جلده مرة أو أكثر من مرة، الا أنه لم يجرؤ على الاباحة بها وبقيت تنخر في ذاته كما ينخر السوس الخشب.
والاستقامة بحد ذاتها أمر ليس بالسهل ان يتبناه الانسان، لأن هذا ألأمر يتطلب مقومات إنسانية خلاّقة، مقومات من أساسها السير في الطريق القويم، عدم الاعوجاج، الامانة، الابتعاد عن التلّون والخيانة والقدح والذم في الغياب، وكذلك من مقومات الإستقامة ان يكون المرء أميناً فيما يقول وأميناً فيما يفعل، وأن يطابق الفعل القول في كل أمر يقوم به هذا ألأنسان أو ذاك.
فالصّدق من الركائز الاساسية للاستقامة والكذب والصلف وتدبير المكايد والاصطياد بالمياه العكرة من الامور الهدامة للاستقامة، ولا يمكن لأحد أن يفكر أيضاً أن الخبث والحسد والانانية لها صلة بالاستقامة، وتقود صاحبها في كثير من الاحيان لشدة غباوته ، نعم تقوده الى تصرفات بعيدة كل البعد عن الامانة والاخلاص وقد تؤدي بصاحبها في نهاية المطاف الى طريق مسدودة وربما تقوده أيضاً للوحدة التي هي بدورها تجعله يقسو أكثر وأكثر، وتضعه في إطار شخصي قد لا يغير الناس أفكاره، ولا يكترثون به مطلقاً، وفي النهاية يصبح محطاً للاستهزاء من قبل الآخرين بفضل فعلته وبفضل تصرفاته الجليّة الواضحة والتي في نظره خفيّة.
وللتأكيد على ذلك لو وقف الانسان مع نفسه قليلاً، وأطلق نظرات موضوعية من حوله وتفرّس كما يجب ، حقاً يمكن أن يتيقن من صحة هذا القول، وإذا تمعّن جيداً تمكّن بدون شك من إكتشاف شخصيات كثيرة في المجتمع القريب والبعيد أيضاً، لا يمكنها أن تكون مستقيمة في حياتها، وتأبى ألأستقامة في نهجها الانساني، الاجتماعي واليومي في مختلف دروب الحياة.
فيمكن للمرء أن يكتشف الكذاب، والمتلوّن والنمّام، هذا النوع من الرجال يزخر به المجتمع ومن مختلف الاطياف والشرائح، ورغم كل التجارب والتقلبات والتغيرات والمستجدات في المجتمع بدءاً من الاسرة وصاعداً ، ومن خلال مواكبة الاحداث، بدون ريب أو وجل يمكن تحديد هذه المجموعة من الناس من خلال التجارب والتعامل في شتى دروب الحياة، رغم تواجد الفرص لتصحيح وتقويم طريقهم، ورغم تغير الاحوال وتوالي الليالي والايام فلا يمكنهم التعلّم، ولا يمكنهم استخلاص العبر، ولا يمكنهم أخذ الامور بموضع الجديّة، فنراهم غير مبالين، ، تراهم في نهجهم متمسكين، تراهم في تصرفاتهم محافظين، يتحيَّنون الفرص للغدر، الاحتيال والحط من قيمة هذا أو ذاك وكأن ألأمور تخفى على الناس في نظرهم والحقيقة عكسيّة تماماً.
فاليهم يترتب بل يتوجب توجيه النصائح وتوجيه الارشادات وحثّهم على أن هذا النهج وهذا التصرف لا يمكن ان يجدي مطلقاً، فيجب مقاومة هذا النوع من الرجال بالانسانية والاخلاق، والتعامل الحسن على أمل أن يعودوا الى رشدهم ويبتعدون عن مثل هذه التصرفات، عندها لا يتركوا مكاناً للمثل القائل – (وضعوا ذيل الكلب في القالب أربعين عاماً فوجدوه كما هو أعوج).
هذا المثل أخذ عن السلف ولم يرد هذا القول عفواً، بل صدر عن تجارب مرَّ بها السلف ومنه للخلف الذي أصبح سلفاً ولا يزال يردد حتى هذه الايام.
وأخيراً، عدّة أسئلة تضع وتفرض نفسها، لماذا مثل هذا التصرف؟؟ وما هي الفائدة منه؟؟ وهل يرتاح صاحب الضمير لنهجٍ كهذا؟؟ وهل يمكن للكذب أن يصبح صحيحاً؟؟ وهل يعقل ايضاً أن يصبح الزيت عكراً؟؟ وهل يمكن أيضاً أن يتساوى المنافق المتلّون بالصادق والمستقيم؟؟ وهل يتساوى ايضاً المخادع والخائن بالصريح والامين؟؟ وماذا يمكن أن يفعل الحاسد مع الرازق؟؟.
لجميع هذه الاسئلة أجوبة واضحة وضوح الشمس ولا يعتريها غبار أبداً، فالعبرة أنه يترتب على كل إمرئ يشعر بنفسه المسؤولية الانسانية، الاسرية، العائلية والاجتماعية الصحيحة أن يضرب عرض الحائط كل السلبيات ويهتدي الى الطريق المستقيم ويكف عن أنواع التلاعب ان كان ذلك في الكلام أو التصرفات ليكون مستقيماً فيما يقول وفيما يفعل حفاظاً على نفسه وعلى مكانته في المجتمع وألا فلا حياة لمن تنادي.