تبذل الرجعية الدرزية الموالية للمؤسسة الإسرائيلية قصارى جهدها من أجل تثبيت سيطرتها على المجتمع الدرزي في إسرائيل، وتستخدم في سبيل تحقيق هذه الغاية كافة الطرق المتاحة لتشويه وعي الإنسان الدرزي وتجهيله بأصله وهويته وانتمائه الوطني والقومي، ويعتبر تزوير التاريخ أهم الوسائل لبلوغ هذا الهدف عبر ابتكار رواية تاريخية منافية للحقيقة وتصب في مصلحة القوى الرجعية.
تقوم رواية الرجعية الدرزية على أحداث تاريخية متفرقة يجري تضخيمها وإعطاءها أهمية تفوق حجمها الطبيعي، وتتضمن هذه الرواية قصصًا مفبركة لأبطال وهميين من زعماء العائلات صاحبة النفوذ في المجتمع الدرزي، ويتم تلقين سيرة هؤلاء الزعماء التقليديين للجيل الصاعد بهدف تخليد اسمهم وحفره في الذاكرة الجماعية، وبذلك تكون القوى الرجعية قد تمكنت من ضمان ولاء عامة الناس لها وحافظت على نفوذها في المجتمع.
لا شك أن من يكتب التاريخ هو صاحب القوة والسيطرة، وفي حالة المجتمع الدرزي لا تزال العائلات الكبيرة تتمتع بنفوذ واسع في الطائفة الدرزية، مما يخول بعض أفرادها كتابة التاريخ كما يحلو لهم وبما يخدم أجندتهم، ويقومون بتغييب حقائق تاريخية لمجرد أنها تتضارب مع مصالحهم العائلية، لذلك نراهم يغفلون دور شخصيات وطنية لعبت دورًا محوريًا في تاريخ الطائفة، وفي المقابل ينسبون لزعماء عائلاتهم دورًا لا يتناسب مع وزنهم الفعلي.
علينا الانتباه إلى أن ليس كل ما يكتب حول تاريخ الدروز في بلادنا صحيح، فهناك أجندة سياسية تقف وراء بعض الكتابات التي تهدف إلى صناعة أمجاد عائلية زائفة لا يوجد لها صلة بالواقع، وكثيرًا ما يجري تسويق أشخاص أجرموا بحق مجتمعهم على أنهم أبطال قوميين، في حين أن المجتمع يتناقل حكايات عن هؤلاء الأشخاص مخالفة لما يتم ترويجه على يد المقربين منهم.
كذلك يجب أن نعلم بأن الرجعية في كل مكان مشغولة بإعادة أمجاد الماضي لأنها ترى فيه مصدر عزتها وعنفوانها، والرجعية الدرزية لا تشذ عن هذا السياق، وبالتالي فهي تحرص على نبش التاريخ بصورة دائمة لكي تستخرج منه كل ما يتوافق مع أهوائها الاجتماعية وميولها السياسية، فنراها شديدة الحرص على سرد روايات عن أمجادها العائلية الغابرة كلما سنحت لها الفرصة القيام بذلك.
كتابة التاريخ ليست مهمة سهلة على الإطلاق، فهي تحتاج إلى الغوص في الكتب والوثائق ذات الصلة، بالإضافة إلى البحث والتنقيب في المصادر التاريخية، وعندها يمكن الوصول إلى أكبر قدر من المعلومات حول المسألة التي يسعى الباحث إلى استقصائها، ويجب على الشخص الذي يتولى هذه المهمة أن يتمتع بالمصداقية ويلتزم بالدقة لكي يتمكن من صياغة مادة تاريخية ذات قيمة علمية، وبالطبع هذه الصفات لا تتوفر في كتبة التاريخ الذين ينتمون إلى القوى الرجعية.