مقولة ومثل يستخدمان في معنى غير
ما قُصَد بهما حين قيلا
بقلم: الدكتور منير توما
كفرياسيف
إنّه لمن الطرافة والسخرية بمكان في آنٍ واحد أن نعتقد بأنّ بعض المقولات والأمثال تؤدي معانٍ تعكس موقفًا أو حدثًا معينًا قد جرت تفاصيله في حينه دون أن نعي أنَّ هذا القول أو المثل قد استعمل فيما بعد وإلى الآن في غير ما قُصد به آنذاك، بل أحيانًا عكس ما قصده قائله في ذلك الوقت.
ومن الأمثلة على ذلك ما نستخدمه في حياتنا اليومية من قولنا Ladies first ("ليديز فيرست" أي النساءِ أولاً)، فهذه المقولة قد حدثت قصتها في إيطاليا في القرن الثامن عشر ميلادي. ومفادها أنّه كان هناك شاب من أسرة غنيّه في احدى مقاطعات إيطاليا. وقد وقع هذا الشاب في حب فتاة من أسرة لا تكافئ أسرته في مستواها الطبقي. واتفق الشاب والفتاة على الزواج إلاّ أنَّ أسرة الشاب الغني قد عارضت ذلك مهددّة إياه بعدم مباركة هذا الزواج.
وبوجود هذه الضغوطات الاجتماعية على الشاب والفتاة، فقد قررا عدم الافتراق الاّ بالموت وبالتالي قررّا الانتحار وتوجها الى صخرة مرتفعة جدًا بجانب البحر. وحين أرادت الفتاة القفز أولاً، منعها الشاب بحجة أنه لا يستطيع أن يراها تموت أمامه لشدة حبه لها، واتفقا أن يقفز الشاب أولاً ثمّ تتلوه الفتاة، وبالفعل قفز الشاب وسقط في البحر ليلقى مصرعه ويموت، ولكن عندما رأت الفتاة منظر موت حبيبها، غيّرت رأيها واحجمت عن القفز في البحر متراجعةً عن اتفاقها مع الشاب للموت معًا. وبنذالتها هذه عادت الى بلدتها وتزوجت شخصًا من طبقتها لتخون بذلك حبيبها الذي ضحّى بنفسه من أجلها وأجل حبهما. وعندما علم أهل البلدة بذلك قررّوا أم تكون النساء أول مَنْ ينفذ الوعد ويقوم بعمل ما اتُفقَ عليهِ، ومن هنا جاءت مقولة النساء أولاً Ledies first حيث نرى وندرك من هذا أنّ استخدام هذه المقولة في أيامنا هذه يخالف ما قُصدّ به حينذاك ولا يتطابق كليَا معه، بل إنّه العكس تمامًا في معناه فيما يتعلق بتقدير واحترام النساء.
وهناك مقولة أو مثل شائع في اوساط مجتمعنا العربي هو: "رُبَّ أخٍ لكَ لم تلدْهُ أُمُّكَ".
وقد قالت العرب هذا المثل ليدّل أنه قد يكون للإنسان رفيق صادق وفي كأنه الأخ وليس هو بإخ أو شقيق. ويجري استعمال هذا المثل – كما يعتقد الكثيرون – استعمالاً خاطئَا بحيث أنهم حين يستعملونه يريدون أنّكَ قد تكون أخًا لصديق أو أكثر من أخ، للدلالة على المحبة والاخلاص والوفاء.
لكنّ الحقيقة أن هذا المثل قد قيل في غير هذا الشأن، وكان أول من قاله لقمان الحكيم، وتقول الأسطورة أنّ لقمان مرّ بخيمة في فنائها امرأة تداعب رجلاً، فطلب لقمان أن يشرب، فقالت المرأة: إنَّ الماء أمامك، وبينما أقدم لقمان على الشرب، فإذا به يرى صبيًا في البيت يبكي دون أن يهتم بهِ أحد، فسأل لقمان: لمن هذا الصبي ولماذا يبكي، فقالت المرأة إنّه لهانئ زوجها، فقال لقمان وأين هانئ، فقالت: ليس هنا. وتضيف الأسطورة أنّ لقمان الحكيم بعد أن شرب وروى عطشه، سأل المرأة: ومن هذا الشاب الى جنبك؟ فقالت المرأة: هذا أخي. فقال لقمان "ربّ أخٍ لك لم تلده أمك"، وكان يقصد بذلك أنه أدرك حيلة المرأة ومخادعتها. وبعد أن خرج من البيت التقى عند المساء رجلاً يسوق ابله متجّهًا نحو الخيمة التي شرب فيها الماء حيث كانت المرأة آنفة الذكر. ولما رأى الرجل لقمان، حيّاه ودعاه الى بيته كي يكرمه باعتبار لقمان رجلاً غريبًا، فشكره لقمان وأخبره بأنه قد مرَّ ببيتهِ واستسقى امرأته ماء، فشرب ورأى عندها شابًا ساوره الشك في أمره، وأضاف أن المرأة قد أخبرته عندما سألها عنه أنه اخوها، ولكنه لم يكن أخاها لادراكهِ التام أنّ ذلك الشاب لو كان أخاها لما جعلها تجيب لقمان نيابةً عنه، فقال هانئ.. وماذا تنصحني أن أفعل؟ فقال لقمان: الرأي هو أن تحقق ليتضح الأمر لك وعندئدٍ تتصرف. وتابع لقمان سيرة ودخل هانئ بيته، وأخذ يحقق معها فيما يتعلق بشأنها مع ذلك الشاب حتى اعترفت له بالحقيقة، فما كان منه سوى قتلها بسيفهِ البتّار.
وهكذا نرى أنَّ استعمالنا لهذا المثل "رب أخٍ لك لم تلده أمك" لا يحمل المعنى الذي يريده قائلوه، بل المعنى الذي يتمناه الناس أن يكون. وهنا يكمن الفرق في المعنى والقصد.