راضي كريني
يحاول بيبي دائما أن يخلق مجموعات عصبيّة غاضبة منفلتة ومهدّدة للديمقراطيّة والحريّة والعدل، لتبدو معبّرة عن رغبة وإرادة الأكثريّة، كي يقسم المجتمع الإسرائيليّ عاموديّا، ويموّه الفروق الطبقيّة بتزاوج طبقيّ، تخضع فيه الأقليّة للأكثريّة من خلال اللعبة "الديمقراطيّة"، وهكذا يتمّ تغييب السلطتين: القضائيّة والتنفيذيّة، ليؤسّس بشكل مشروع وعبر صناديق الانتخابات لدكتاتوريّة متميّزة بالاستبداد والفساد.
يعلّق الكثير من الإسرائيليّين الأمل على الانتخابات البرلمانيّة، ربّما لعدم اكتشاف أو رؤية المعارضين للفاشيّة والعنصريّة وجود سيرورة أخرى تحرّر المجتمع الإسرائيليّ من "قرف" بيبي وزمرته.
يعجّ ويضجّ التاريخ بالأمثلة على أنّ الانتخابات "الديمقراطيّة" لا تنقذ المجتمعات من أزماتها السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة و...؛ بل ربّما تغدو حاملة أساليب فاشيّة، وحاضنة ودفيئة للتمييز والاضطهاد والاستغلال؛ فهي لا تؤدّي بالضرورة إلى الحريّة والديمقراطيّة،وبالتالي، فبعض الأساليب المتّبعة، وكذا بعض الأنظمة الانتخابيّة مسيئة للحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان. وفي أحيان كثيرة، تنمو الحريّة والديمقراطيّة والعدالة وتتطوّر بعيدًا عن صناديق الاقتراع، وقريبا من طريق الثورات أو الحروب.
ثمّة أمثلة تاريخيّة كثيرة على فشل الانتخابات في تقويض التمييز العنصريّ والاستبداد والفساد، وعلى نجاح الثورات والحروب في تثبيت الحريّة والديمقراطيّة والعدالة. لم يتحرّر العبيد في الجنوب الأمريكيّ مِن خلال صناديق الانتخابات؛ بل بحرب الشمال على الجنوب، وباعتماد تربية إنسانيّة ودستور عادل، وبفصل السلطات وحماية الحريّات الأساسيّة ( من حريّة الحياة والتعبير عن الرأي والصحافة، والتجمّع واالدين والأحزاب و...) وبتنقية السلطًتين القضائيّة والتنفيذيّة من العنصريّين ومِن بطش الأكثريّة (بقدر الإمكان).
بيبي يمجّد القوميّة وشعار الإجماع القوميّ (البقرة المقدّسة)، ويعلي شأن الهويّة اليهوديّة، والملكيّة الفرديّة، ويخدم الطغمة الرأسماليّة وناهبي الثروات، ويرتكز في سياسته على الدين والقوميّة (كما حدث مع فرانكو في إسبانيا ذات الأغلبيّة الكاثوليكيّة، ومع محمّد مرسي في مصر والإخوان المسلمين)، ويعظّم ذاته الفذّة والمتفوّقة والمتميّزة والكاسبة لثقة لأكثريّة، عن طريق التخويف والرهاب، ويعمل على تحويل مؤيّديه إلى ميليشيا مرهبة للخصوم السياسيّين.
في 10-8-2017، كتب بروفيسور التاريخ في الجامعة العبريّة "دانيال بلطمان" مقالا في صحيفة "هآرتس"، بعنوان "خطر العنف في انهيار نتنياهو"، يحذّر من مخاطر العنف المترتّبة على سقوط بيبي، ويبيّن أنّ الصراع بين حزب اليمين المتطرّف الذي يمثّله بيبي والأحزاب التي على يساره، سوف يكون عنيفا، وأشرس بكثير من الصراع الحزبيّ الذي ظهر بعد مقتل رابين (سنة 1995)، ويحذّر من فشل سيطرة القيادات السياسيّة على الصراع العنيف الناشئ جرّاء سقوط بيبي. كما سيطرت قيادة شمعون بيرس على الصراع الحزبيّ بعد مقتل رابين، وينبّه من قدرة اليمين الفاشيّ على خلق وإحداث الفوضى العارمة والرعب والتظاهر؛ كي يمنع سقوط بيبي، ويجعله حصين الاستجواب، وفوق المساءلة/التحقيقات القانونيّة، والمحاسبة والعقاب و...
من الواضح أنّ بيبي نتنياهو يفضّل السجود أمام اليمين الفاشيّ المنفلت العقال، على أن يتواضع ويطأطئ رأسه أمام السلطة القضائيّة، وينصاع لقراراتها! بيبي لن يخضع وينصاع إلّا لأحكام المتظاهرين من أجله، والرافضين للتحقيقات والشبهات والتهم ضدّه.
والحلّ؟ ممكن أن يكون افتعال حرب، لا نقدّر مداها وعقباها وجبهاتها و... ونتائجها.